آلام ابن نبي.. الرسالة الأخيرة
بقلم: مسعود هدنة –
قال الدكتور الفنيش: كان مالك متأثرا بالمدرسة الألمانية في النهوض.. مالك لم يكن يقرأ، كان قليل النوم.. يفكر ويكتب دوما
"مالك لم يكن ينكبّ على أوراق الآخرين ويلخصها" مثلما يصفه عبد العزيز خالدي (أحد أصدقاء مالك)
مالك كان إنسانا مسلما ابن مستعمرات أحس بالنكبة.. لقد طلب من قادة الثورة أن يلتحق بالجبال كممرض ليكتب تاريخ الثورة لكنهم رفضوا ذلك..
ألقى آخر محاضرتين في دمشق سنة 1972 بمسجد المرابط للبنات، وكان الموضوع دور المسلم ورسالته في الثلث الأخير من القرن العشرين..
لقد كان يقف إلى جانب الجميع طلبة وعمالا.. عمل على تدريس العمال الأميين في فرنسا.. مالك كان يمثل ضمير العالم الإسلامي
كان دقيقا نظيفا أنيقا.. كان ينزعج من عدم احترام الوقت.. كان يأتي في الوقت.. لقد كان صورة لافكاره (عندما قال الدكتور الفنيش هذه الجملة تذكرت حديث عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كان خلقه القرآن، لاشك أن مالك كان يتأسى برسول الله)
لم يطمع في الدنيا.. كان يريد ان يؤدي رسالة..
تعرض لمضايقات عديدة بسبب أفكاره.. حتى في بيته ضُويق.. سيق إلى العدالة مرات عديدة بدعوى إزعاج جيرانه لأنه كان يقيم دروسا لطلبته في بيته
لقد اهتم الهنود والصينيون بأفكاره.. اجتمع مالك بزعماء كبار مثل شوان لاي وماو تسي تونغ..
هناك موقف حدث لنا معا كلما تذكرته أبكي.. (يبكي الدكتور الفنيش) ويواصل: سنة 1958 عندما نُظم مؤتمر الشعوب الإفريقية الأسيوية في القاهرة لم يُدع مالك إليه، رغم أن الفكرة كانت فكرته.. ورغم ذلك ذهبنا معا إلى الفندق الذي اجتمع فيها القادة والزعماء وكان يحمل في يده ورقة دون عليها أفكارا ومقترحات أراد أن يوصلها إلى المجتمعين.. كان يقول ألا يوجد أي أحد هنا يوصلها إليهم.. رغم أنه لا أحد في القاعة يساوي ظفر بن نبي..
واجه بن نبي رجل المخابرات الفرنسي القوي لويس ماسينيون بكل قوة وفشل ماسينيون في هزيمته.. كان مالك مصرا رغم انه هو الذي دمّر أستاذه حمودة بن الساعي..
أما بالنسية للسيد "س" فلم يكن رجلا بعينه بل كان مالك يرمز به إلى منظومة كاملة كانت تعمل ضده وتطارده وتطارد أفكاره..
كانت آخر مراسلة بيني وبين مالك في يونيو 1973 وتوفي هو بعد ذلك في أكتوبر من السنة نفسها حيث أرسل لي رسالة وهذه الرسالة تعني لي الكثير..
في هذه الرسالة أرسلها لي من فراش المرض في فرنسا، يخبرني رحمه الله فيها بأنه توسّط لسيدة ليبية لدى القذافي ليطلق سراح زوجها المسجون في ليبيا.. هذا لتعملوا أنه رحمه الله حرص على الوفاء بوعوده وعلى فعل الخير حتى وهو مريض..
لم يكن لمالك عداوة مع أحد.. يوم توفي رغدت النسوة من شرفات الجزائر العاصمة وكأن الامر يتعلق بشهيد.. (وانفجر الفنيش باكيا للمرة الثالثة)
إلى هنا انتهت المحاضرة و‘قبتها أسئلة وتدخلات من الحاضرين أرادوا معرفة جوانب من شخصية المفكر الراحل رحمه الله.
وأسرد هنا ما جاء في رسالة مالك بن نبي الأخيرة للفنيش، يبدو فيها خطه ركيكا بسبب المرض.. يعله فيها بأنه توسط للسيدة الليبية لدى القذافي ثم يوصيف فيها بأن بناته في رعايته إن وافته المنية في فرنسا.
نص الرسالة:
بسم الله الرحمان الرحيم
يونيو 1973
إلى محمد الفنيش
لا تتعجب من خطي إنني مريض، يزورني سعادة السفير في فراشي فأسلم له نص الخطاب الذي وجهته للعقيد بخصوص الأخ محمد هويسة لتقرأه وتحتفظ به وأيضا تنقل نبأه إلى حرم هويسة لتطمينها
أنني أرسلت هذا الخطاب منذ أسبوعين تقريبا
ولا تنس وصيتي الأخيرة لك وللأخ هويسة، أن بناتي في ذمتكما إذا قبضني الله إليه
والسلام
مالك بن نبي