تذكرة بوثيقة السياسة العامّة لجمعية العلماء
بقلم: حسن خليفة-
يمكن القول إن شمول حقول النشاط في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، واتساعها، وتعدّد ميادين العمل فيها يقتضي رسم الحدود الواضحات، بما يفيد بمعرفة طبيعة العلاقة بين الجمعية وسائر الهيئات والمؤسسات والتيارات والجمعيات، وذلك ما تضمّنتهُ وثيقة السياسة العامة، وهو ما نريد ترسيخه وتعزيزه ونشرَه وبيانه، حتى نكون جميعا على بيّنة من أمر العمل في الجمعية والضوابط والمحددات التي تحكمه.
ولنشر إلى العناوين العريضة في ذلك: الجمعية والسلطة، الجمعية والتيارات الفكرية، الجمعية والتيارات السياسية، الجمعية والتيارات الدينية، السلفية كمثال، أو جماعة الدعوة والتبليغ، أو أي “كيان” يرتكز على الدين ويعمل له، الجمعية والإدارة، الجمعية والجمعيات الأخرى وطنية وولائية وبلدية..
إن الملمح العام في هذا المجال (العلاقات) هو تحكيم وتفعيل ذلك المبدأ الذي يتأسس على أمرين اثنين: الانفتاح والاستقلالية.
أما الانفتاح فيعني أن الجمعية ليست كيانا مغلَقا أو منغلقا، ولا هيئة منكفئة على نفسها، وإنما هي كيانٌ يتعامل بانفتاح مع كل ما يحيط به…الشعار الكبير الجامع هو “وتعاونوا على البرّ والتقوى “.. وهذا هو المبدأ الذي يحكم العلاقة، بين الجمعية وغيرها، فكل ما يحقق البّر والصلاح والتقوى والخير والحق والفضيلة والتهذيب… يستوجب في نظر الجمعية التعاون والتشارك، وقد عبّرت الجمعية عن ذلك مرارا وتكرارا، وعملت على تطبيق هذا الشعار، وهذا المبدأ الكبير الرائع، ليس بالكلام وحده ولكن بالعمل، وفي الميدان… فقد نظّمت الجمعية عشرات الأنشطة بالتعاون مع مختلف الدوائر والمؤسسات والإدارات الحكومية، ومع الجمعيات الأخرى، كبيرة وصغيرة، وما زالت الجمعية تدعو إلى تقوية هذا التعاون خاصة في الميادين الكبرى، والدليل على ذلك هو تواصلها مع الجمعيات الشقيقة في العمل على تحقيق حلم التقارب والتشارك في مجال “العمل الخيري الإنساني”، مع كل الهيئات التي لها اهتمامٌ بهذا الميدان، وتنهج نفس النهج أو قريبا منه. مازلنا ندعو إلى لقاء سنوي كبير في مجال العمل الخيري الإنساني بين الجمعية وباقي الهيئات المهتمة، رسمية كانت أو جمعوية.
ولكن ما ينبغي التأكيدُ عليه هنا هو أن العمل بتعاون وثيق وقويّ بين الجمعية وغيرها لا يعني أن تسقط الجمعية حقها في الاستقلالية، وأن يكون لها رأيٌ واضح بيّن في أي مسألة أو قضية، بل إن الجمعية لتحرص على هذه الاستقلالية كل الحرص؛ لأن الاستقلالية هي التي تحفظ لها خطّها ورؤيتها ورسالتها في العمل، وعدم ارتهانها لأي جهة، لا بالسكوت ولا بالتواطؤ، بل تعمل الجمعية على الجهر برأيها وبيان مواقفها بكل وضوح.
ومن يتابع بياناتها وتصريحات قيادتها يعرف ذلك جيدا، سواء تعلّق الأمر بالسلطة أو بغيرها من الهيئات والجماعات كالسلفية، والزوايا، والجهات المعادية للدين والوطن.
إذن.. تتعاون الجمعية مع غيرها فيما يحقّق الصالح العام، مع احتفاظها برأيها المستقل في أي شأن من الشؤون العامة “فأعمال الجمعية وجهودها مكمّلة لما تقوم به مؤسسات الدولة وهياكلها الرسمية في المجالات الدينية والاجتماعية والتربوية، والجمعية تقدّر كل ما فيه خير ونفع وصلاح للوطن والإنسان. وأمّا ما تراه من خطأ أو تقصير، يعود بالضرر حالا أو مآلا على المجتمع، فإنها تبيّنه وتنصح بالتي هي أحسن، وتعمل جاهدة على اجتماع الكلمة، ونبذ الفُرقة والاختلاف، كما تعمل على تعزيز أمن ووحدة المجتمع مما يهدده داخليا وخارجيا” (ص 21 من النسخة التجريبية من وثيقة السياسة العامة).
وممّا يستوجب الاهتمام هنا معرفة أن الجمعية ليست حزبا سياسيا، لذلك ينبغي أن لا نُقحمها في الصراعات السياسية والحزبية، فهي ليست جمعية سياسية بالمعنى الضيِّق للسياسة، وإنما هي جمعية تُعنى بالشأن العامّ الذي يشترك فيه كل الجزائريين والجزائريات، وتحرص على الإدلاء بصوتها وبيان موقفها من ذلك الشأن صغُر أو كبُر… والجمعية ليست جمعية خيرية، وإن كانت تعدُّ العمل الخيري والإغاثي جزءا أصيلا من رسالتها وانشغالها.
إنما هي جمعية دعوية، وعلمية، وفكرية، وثقافية، تقوم بالتوجيه والنصح والتعليم والإرشاد، والتثقيف والتهذيب، والتعاون مع الجميع في ذلك، وتضطلع بكامل واجباتها نصرةً لدين الله تعالى وخدمة للوطن.
وكلُّ ما يصبُّ في هذين الهدفين الكبيرين إنما هو من مشاغل الجمعية وهمومها واهتماماتها، على المنهج الأوفق ـ بعون الله ـ وهو العمل على بصيرة بكل ما تعنيه هذه الكلمة- المنهج من أناة، وتبصُّر، ومعرفة، وحبّ، واجتهاد، ومقاربة وتسديد.
ولعل بعضا من هذا هو الذي جعل الجمعية بتوفيق الله تعالى على مسافة طيبة جيدة مع الجميع، لا تتدخل في شؤون الغير، لا تتعصّب، ولا تجرّح، ولا تدخل في مهاترات مُهلكة للوقت والجهد، وقبل ذلك مُهلكة للدين والأخلاق..
ومن يهتمّ ويتابع يجد كل ذلك متساوقا مع مقاصد الجمعية المعلن عنها ومنها:
نشر الفهم الصحيح لتعاليم الإسلام، وفقا لنصوص الكتاب والسنّة بفهم السلف الصالح باعتدال ووسطية.
المساهمة في إعداد الأجيال الناشئة وتحصينها فكريا وخُلقيا وحضاريا.
العمل الجادّ لتوعية المسلم الجزائري بانتمائه الوطني والحضاري ومواكبته للعصر.
المحافظة على المرجعية الفقهية المعتمدة وطنيا.
محاربة الآفات الاجتماعية والأخلاقية بكل أنواعها، بالتي هي أحسن، ونشر القيم الفاضلة وتوسيع رقعة الاستقامة والفضيلة والصلاح.
محاربة البدع وكل ما هو محرّم بصريح الشرع، بالتوعية والإقناع، وبالحكمة والموعظة الحسنة.
تقديم النصح للأفراد والهيئات والمؤسسات فيما يخدم صالح البلاد والعباد.
وكل من يعمل لهذه المقاصد الشريفة فهو أخ لنا في الله وشقيق لنا في العمل نتعاون معه وننصره ونعضده ونتكامل معه، مع حفظ الودّ والتوقير والتقدير.