أبو علي الحسن بن رشيق المسيلي (تـ 456 هـ)
بقلم: د. زوبير بعلي –
هو أبو علي الحسن بن رشيق المسيلي المعروف بالقيرواني، أحد الأفاضل البلغاء، ولد بالمسيلة وتأدب بها ثم رحل إلى القيروان سنة 406 هـ، وكانت صنعة أبيه في بلده المحمدية الصياغة، فعلمه أبوه صنعته، وقرأ الأدب بالمحمدية (المسيلة)، وقال الشعر صغيرا ثم تاقت نفسه إلى التزيد منه وملاقاة أهله، فارتحل إلى القيروان واشتهر بها وعرف بالقيرواني وامتدح صاحبها المعز بن باديس واتصل بخدمته، وبقي مقيما بها إلى أن هاجم العرب القيروان، فانتقل إلى صقلية وأقام بمازر إلى وفاته بها.
ذكر الإمام السيوطي نقلا عن ياقوت بأنّه أخذ الأدب عن محمّد بن جعفر القزّاز النحوي القيرواني وغيره.
تآليفه:
كان ابن رشيق من أكثر العلماء تأليفا في ميدان الأدب وفنونه من نثر وشعرفقد ألّف كتاب «العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه»، وكتاب: «الأنموذج»، وكتاب «قراضة الذهب»، وكتاب: «الشذوذ في اللغة»، وكتاب «طراز الأدب»، وكتاب «المَمَادِحُ والمَذَام»، وكتاب «متفق التصحيف»، وكتاب «تحرير الموازنة»، وكتاب «الاتصال»، وكتاب «المن والفداء»، وكتاب «غريب الأوصاف ولطائف التشبيهات لما انفرد به المحدثون»، وكتاب «أرواح الكتب»، وكتاب «شعراء الكتاب»، وكتاب «الرسائل الفائقة»، وكتاب «المعونة في الرخص والضرورات»، وكتاب «الرياحين»، وكتاب «صدق المدائح»، وكتاب «الأسماء المعربة»، وكتاب «إثبات المنازعة»، وكتاب «معالم التاريخ»، وكتاب «التوسع في مضايق القول»، وكتاب «الحيلة والاحتراس» كما أن له كتبا في الرد على ابن شرف القيرواني (نقائض) منها: «ساجور الكلب».
ويعتبر كتابه «العمدة في معرفة صناعة الشعر ونقده وعيوبه» عمدة فعلا في بابه، وقد قسمه مؤلفه إلى أبواب كثيرة منها: باب في فضل الشعر باب في الرد علي من يكره الشعر، باب في أشعار الخلفاء والقضاة والفقهاء، باب من رفعه الشعر، ومن وضعه، باب من قضى له الشعر ومن قضى عليه، باب شفاعات الشعراء وتحريضهم، باب البلاغة، باب الافتخار، باب في أغراض الشعر وصنوفه، باب في النسيب، باب في المديح…إلخ.
ومن أروع ما قاله في باب المطابقة يصف بلاغة النبيّ صلى اللّه عليه وسلّم: «ومن أفضل كلام البشر قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض خطبه: «فليأخذ العبد من نفسه لنفسه، ومن دنياه لآخرته، ومن الشبيبة قبل الكبر، ومن الحياة قبل الممات؛ فو الذي نفس محمد بيده ما بعد الموت من مستعتب، وما بعد الدنيا دار، إلا الجنة أو النار» فهذا هو المعجز الذي لا تكلف فيه ولا مطمع في الإتيان بمثله. وقال الله عز من قائل: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ * وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاء وَلَا الْأَمْوَاتُ} وعد ابن المعتز من المطابقة قول الله عز وجل: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} لأن معناه القتل أنفي للقتل فصار القتل سبب الحياة، وهذا من أملح الطباق وأخفاه.»
ثناء العلماء عليه:
أثنى الأدباء على ابن رشيق المسيلي واعترفوا له بالتقدّم في علوم اللغة والأدب شعره ونثره فقد وصفه الإمام الذهبي بالعلّامة البليغ، وقال فيه ابن بسام صاحب الذخيرة: «وكان أبو علي ربوة لا يبلغها الماء، وغاية لا ينالها الشد والإرخاء، محله من العلم محل الصواب من الحكم، واقتداره على النظم اقتدار الوتر على السهم، إن نظم طاف الأدب واستلم، أو نثر هلل العلم وكبر، أو نقد سعى الطبع الصقيل وحفد، أو كتب سجد القلم الضئيل واقترب.»وقال فيه أيضا يصف شاعريته: «…وأما الشعر فإنه أنسى أهله، وملك منه شَخْتَهٌ وجَزْلَه…».
أما ابن دحية فوصف مزاحه الذي لم يكن ليخرجه عن صفة العلماء المجدّين بقوله: «…وكان رجلا تِلْعَابه، كثير الدُعَابة، غير أنّه لم يذمَّهُ أحد بذلك ولا عَابَه.».
من شعره في الحكمة:
أحب أخي وإن أعرضت عنه * وقلَّ على مسامِعِه كلامِي
ولي في وجهه تقطيب راض * كما قَطَّبْت في وجه المُدَامِ
وربَّ تقطُّبِ من غير بُغضِ * وبغضٍ كان من تحت ابتسامِ
ومنها قوله:
في النّاس من لا يُرتجى نفعه * إلا إذا مُسَّ بإضـرار
كالعود لا يُطمع في طيبـه * إلا إذا أُحرق بالنـَّار
وفاته:
توفي ابن رشيق سنة 456 هجرية على ما ذهب إليه ابن العماد في شذرات الذهب. وذكر ابن خلكان هذه الرواية ومال إلى تصحيح رواية وفاته سنة 453 هجرية.