عبد الرحمان شيبان المجاهد العالم الفقيه

بقلم: محمد الطيب-

سياسي، كاتب، عالم، وصحفي، ولد في قرية الشرفة بمشدالة بالبويرة، في 23 فيفري 191، تعلم في كُتّاب قريته، وحفظ القرآن الكريم وتلقى مبادئ العربية، والتوحيد، والفقه، بمسقط رأسه وبالزاوية السحنونية بالزواوة، وبني وّغْليس، على الضفة الشمالية لوادي الصومام (بجاية)، ثم أكمل دراسته في مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين على يد بن باديس.

في العشرين من عمره شدَّ الرحال إلى الزيتونة بتونس في 1938، ونال شهادة التحصيل في العلوم سنة 1947، كما كان نشطا ثقافيا، وترأس جمعية الطلبة الزيتونيين الجزائريين.

في 1948 عينه الشيخ محمد البشير الإبراهيمي أستاذا للبلاغة والأدب العربي بمعهد بن باديس بقسنطينة، وفي 1954 صنف من أساتذة الطبقة الأولى بالمعهد (مستوى شهادة عالمية)، وذلك بقرار من الجمعية إلى جانب الأساتذة المشايخ "نعيم النعيمي، أحمد حماني وعبد المجيد حيرش، وعبد القادر الياجوري، وغيرهم"، فكان عضوا عاملا في الجمعية، وعضو في لجنة التعليم العليا المكلفة بإعداد مناهج التربية والتعليم، والكتب المدرسية بمدارس الجمعية، ومحرر في الجرائد الجزائرية "النجاح، المنار، والشعلة، ومن الكُتاب الدائمين في جريدة البصائر، بتكليف من مديرها الإمام الإبراهيمي، فكان من مقالاته: "جهاد أدبي أو فلسطين والشيخ الإبراهيمي (ماي 1948)، ماذا ننتظر لإمداد فلسطين (جوان 1948)، الإسلام شريعة الجهاد والاجتهاد (جوان 1948)، المعهد ومستقبل الأدب الجزائري (سبتمبر 1949)، الجزائر للجزائريين (أفريل 1955)، الذكرى الخامسة عشرة لبطل الجزائر ابن باديس (أفريل 1955)، القضية الجزائرية قضية حرية أو موت (أفريل 1956)..".

التحق مبكرا بالثورة كمجاهد في المنظمة المدنية لجبهة التحرير الوطني، وعضو في لجنة إعلامها، ومشارك في تحرير جريدة "المقاومة الجزائرية"، لسان حال الجبهة والجيش، وفيها كتب عدة مقالات منها "صفحات خالدة من الإسلام" يٌسقِط فيها الماضي على الحاضر، وترأس تحرير مجلة "الشباب الجزائري"، وفي 1960 عُين مستشارا لرئيس بعثة الثورة الجزائرية بليبيا.

بعد الاستقلال انتخِب عضوا في المجلس الوطني التأسيسي، عمل حينها على إحباط الدعوة إلى "اللائكية" كأساس للدستور الجزائري، فكان الرد حاسم بتوجيه نداء إلى الشعب للتمسك بدينه ولغته، كما كان مُقررا "للجنة التربية الوطنية"، وعضو اللجنة المكلفة بإعداد الدستور، مع مجموعة من النواب من أهل العلم والجهاد في جعل الإسلام دين الدولة و"العربية اللغة الوطنية الرسمية"، خلافا للتيار التغريبي الذي طالب بإصرار بأن يكون "الإسلام دين الشعب" و"العربية لغة الشعب"، حتى لا يكون لها أي التزام بتطبيق تعاليم الإسلام، واستعمال اللغة العربية في أجهزة الدولة، عُين بعدها مفتشا عاما للغة والأدب العربي، والتربية الإسلامية في مؤسسات التعليم الثانوي، وصُنف في درجة حملة (شهادة الليسانس) بمرسوم رئاسي.

في مارس 1964 كان نائبا للشيخ البشير الإبراهيمي في رئاسة اللجنة الوزارية المكلفة بإدراج المعلمين والأساتذة الذين كانوا في التعليم العربي الإسلامي الحر، وقد نجح بمعية بعض النواب العلماء في استصدار مرسوم رئاسي يقضي بإدماج المعلمين الأحرار في سلك التعليم الرسمي حسب درجاتهم، كما عمل أيضا على إزالة الجفوة التي وقعت بين الشيخ الإبراهيمي والرئيس بن بلة، بسبب بيان 16 أفريل 1964 الذي أصدره الشيخ مستنكرا فيه الأوضاع التي آلت إليها الجزائر في مختلف المجالات (الدينية، والاجتماعية، والسياسية)، وتولى رئاسة اللجنة الوطنية المكلفة بالبحث التربوي التطبيقي والتأليف المدرسي، حيث أشرف على تأليف نحو (20) كتابا في القراءة، والأدب، والنقد، والتراجم، والبلاغة، والعروض، والتربية الإسلامية، وشارك في ندوات اليونسكو، وكان له شرف المشاركة في الوفد الذي ترأسه الدكتور أحمد طالب إبراهيمي -وزير التربية الوطنية- سنة 1966، فسعى لترسيم اللغة العربية كلغة خامسة باعتبارها لغة عقيدة وحضارة، قبل أن تكون لغة قومية، وبالفعل صدر قرار اعتمادها بهيئة اليونسكو، وقد نشرت جريدة الشعب البيان في 19 نوفمبر 1966، "العربية تصبح لغة رسمية في منظمة اليونسكو"، كما عين عضو في المجلس الإسلامي الأعلى، وشارك في الندوات العلمية والدينية والتربوية، داخل الوطن وخارجه، وعين وزيرا للشؤون الدينية لمدة ست سنوات (1980-1986) حيث أشرف على تنظيم 6 ملتقيات سنوية للفكر الإسلامي منها "ملتقى للقرآن الكريم، فالسنة النبوية، فالاجتهاد، فالصحوة الإسلامية، فالإسلام والغزو الثقافي، فالإسلام والعلوم الإنسانية.."، وكان عضو مؤسس لمجمع الفقه الإسلامي الدولي ممثلا للجزائر، وساهم بفعالية في تأسيس معهد أصول الدين بالعاصمة (كلية العلوم الإسلامية حاليا)، بذل جهدا في افتتاح "جامعة الأمير عبد القادر للعلوم الإسلامية" بقسنطينة، وتعيين الداعية الشيخ محمد الغزالي رئيسا لمجلسها العلمي، وتمكينه من إلقاء دروسه المتلفزة المشهورة المتمثلة في حديث الاثنين، طبع آثار إمام النهضة الجزائرية الشيخ بن باديس، وفي طليعتها: "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير، ومجالس التذكير من حديث البشير النذير.."، وشجع قراءة صحيح البخاري، رواية ودراية، في مساجد العاصمة وفي أرجاء الجزائر، ورأس بعثات الحج الجزائرية إلى الأراضي المقدسة من 1980 إلى 1986.

بعد التقاعد ساهم في تجديد نشاط جمعية العلماء منذ 1991 حيث كان النائب الأول لرئيس الجمعية الشيخ أحمد حماني، كما داوم على إلقاء دروس دينية في التفسير، والحديث، والسيرة النبوية، والتاريخ الإسلامي في المساجد، والمراكز الثقافية في العاصمة وغيرها، وتولى رئاسة الجمعية، وإدارة جريدة البصائر الأسبوعية، لسان حالها منذ 1999، وعلى صفحاتها دافع عن الجمعية في سلسلة من المقالات تحت عنوان "حقائق وأباطيل"، واسترجع في 27 جانفي 2002 "نادي الترقي" التاريخي الذي وُلدت في أحضانه الجمعية بالعاصمة سنة 1931 فاستأنف نشاطاته بمحاضرات أسبوعية، بعث تراثها المتمثل في جرائدها: الشريعة، السنة، الصراط، الشهاب، والبصائر كاملة (12 مجلدا).

أسس وأشرف على شُعب جمعية العلماء في مختلف الولايات.

بعض ما قيل عنه: كتبت مجلة indigo- publications في عدد خاص بالجزائر بأنه "حارس القيم الإسلامية"، وقال الدكتور يحيى الغوثاني "هذا الرجل الذي يبدو عليه أنه شاب، لما يحتويه بين جوانحه من همة ونشاط، وحب لهذه الدعوة"..، وقد أجازه بمروياتهم العلمية وأسانيدهم، العلماء المشايخ منهم "العالم المكِّي محمد العلوي، العلامة أحمد كفتارو مفتي سوريا، وسماحة البروفيسور محمد الحبيب بلخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي..".

مشوار كفاح ناجح ومثمر حتى وفاته يوم الجمعة 12 أوت 2011م (12 رمضان 1432هـ)، عن عمر يناهز 93 سنة، ودفن بمسقط رأسه، يرحمه الله، و ينفعنا بعلمه وبركاته.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.