جزائري أفشل مشروع فرنسا في بلاده بالعلم والوعي

بقلم: علي سعادة-

قاوم الاستعمار الفرنسي بالعلم والوعي في صفوف الشباب الجزائري، فحاربه الاستعمار ومنعه من التدريس.
يحمل في جعبته عدة ألقاب فهو "المصلح الثوري"، و"الشاعر" و"الصحفي"، و"العالم المفسر"، و"المعلم المربي" و"الكاتب السياسي"، وأكثر صفة ارتبط بها اسمه كانت العلم، من هنا جاء احتفال الجزائر بيوم العلم في ذكرى رحيله.

نشأ عبد الحميد بن باديس، المولود عام 1889 بمدينة قسنطينة بالجزائر، في كنف أسرة معروفة بالتدين والعلم والأدب، فوالده كان حافظا للقرآن ومن أعيان المدينة، وعمل قاضيا وعضوا في المجلس الجزائري الأعلى، ومن رجال أسرته المعز بن باديس الذي أعلن انفصال "الدولة الصنهاجية" عن "الدولة الفاطمية" وأعلن فيها مذهب "أهل السنة والجماعة".

حفظ عبدالحميد القرآن الكريم في عمر الثالثة عشرة، والتحق بجامع الزيتونة بتونس عام 1910، ليكمل تعليمه على يد صفوة من العلماء فنال شهادة "التطويع العالمية"، وبعد أن أنهى تحصيل العلم في تونس توجه إلى الحجاز عام 1913، لأداء فريضة الحج حيث تعرف على أبرز العلماء الجزائريين آنذاك ونصحه معلمه بالعودة إلى الجزائر، واستثمار علمه في الإصلاح، إذ لا خير في علم ليس بعده عمل.
أدرك أن التعليم هو الخطوة الأولى لمحاربة الاستعمار الفرنسي الذي عمل منذ بداية احتلالها للجزائر على القضاء على منابع الثقافة الإسلامية، فأغلق نحو ألف مدرسة ابتدائية وثانوية، كانت تضم 150 ألف طالب.

كما وضع الاستعمار قيودا على فتح المدارس، التي اقتصرت على حفظ القرآن لا غير، مع عدم التعرض لتفسير آيات القرآن خاصة الآيات التي تدعو إلى التحرر، وتنادي بمقاومة الظلم والاستبداد.

ومنعت دراسة تاريخ الجزائر، والتاريخ العربي الإسلامي، والأدب العربي، وتحريم دراسة المواد العلمية والرياضية.
جاهد ابن باديس في نشر التعليم، والعودة بالإسلام إلى منابعه الأولى، ومقاومة الزيف والخرافات، ومحاربة الفرق الضالة التي تكاتفت مع المستعمر. وبدأ جهوده الإصلاحية بإلقاء دروس في تفسير القرآن بالجامع الأخضر بقسنطينة، فجذب المئات من طلاب العلم الذين تبنوا فكره الجديد ودعوته إلى تطهير العقائد من الأوهام والأباطيل التي علقت بها.

كانت إصلاحاته في مجال التعليم في الجزائر تعتبر ثورة في وجه الاستعمار الفرنسي الذي حاول ترسيخ الجهل بشتى الطرق. فأولى التربية والتعليم اهتماما بالغا في نشاطه الإصلاحي، وتوج ذلك بتأسيس مكتب للتعليم الابتدائي العربي عام 1926 انبثقت عنه في عام 1930 مدرسة "جمعية التربية والتعليم الإسلامية"، وهي الجمعية التي أصبح لها نحو 170 فرعا في مختلف مناطق الجزائر.

ولنشر فكره الإصلاحي عمل بالصحافة من خلال إصدار جريدة "المنتقد" عام 1925، التي تولى رئاسة تحريرها، ثم جريدة "الشهاب" في نفس العام. وعلى أثر احتفال الاستعمار الفرنسي بالعيد المئوي لاحتلال الجزائر أنشأ مع مجموعة من العلماء "جمعية العلماء المسلمين الجزائريين" عام 1931 وانتخب رئيسا لها، وجعل شعارها "الإسلام ديننا، العربية لغتنا، الجزائر وطننا".

ونجحت "الجمعية" في توحيد الصفوف لمحاربة المستعمر الفرنسي وحشد الجزائريين ضدها، وبعث الروح الإسلامية في النفوس، ونشر العلم بين الناس. وعملت على إنشاء المدارس في المساجد لتحقيق أهدافها، بالإضافة إلى الوعاظ الذين كانوا يجوبون المدن والقرى، لتعبئة الناس ضد المستعمر، ونشر الوعي بينهم.

أسهم ابن باديس في إثراء الفكر السياسي الجزائري فدعا عام 1936 لعقد مؤتمر إسلامي بالجزائر لإفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا، كما شارك ضمن وفد المؤتمر الإسلامي المنعقد بباريس في نفس العام.

ولم تقتصر إصلاحاته في مجال التعليم على الجزائر، بل تعدتها إلى جارتها تونس حيث شارك في محاولة إصلاح التعليم في جامع الزيتونة بتونس، وبعث بمقترحاته إلى لجنة وضع مناهج الإصلاح.

وإلى جانب كون ابن باديس أحد أشهر علماء عصره المتفانين في نشر العلم والمعرفة، كان أيضا مجاهدا سياسيا. فقد جاهر بعدم شرعية الاحتلال الفرنسي، وأعاد إحياء فكرة الوطن الجزائري بعد أن ظن كثيرون أن فرنسا نجحت في جعل الجزائر مقاطعة فرنسية.

وهو بذلك يعد من أبرز المساهمين في إفشال فكرة اندماج الجزائر مع فرنسا التي خُدع بها كثير من الجزائريين. كما دعا نواب الأمة الجزائريين إلى قطع الاتفاق مع الاستعمار، وأعلن رفضه مساعدة فرنسا في الحرب العالمية الثانية.

وكان دخوله في معركة مع الحاكم الفرنسي عام 1933 أكبر دليل على مدى تأثيره على الشارع الجزائري. حيث تم اتهامه بالتدخل في الشؤون الدينية للجزائر على نحو مخالف للدين والقانون الفرنسي.
لم يترك ابن باديس أية مؤلفات منشورة ويقال إنه اشتغل في بناء وتأليف الرجال وليس الكتب، غير أن تلاميذه جمعوا الكثير من أعماله أهمها: "تفسير ابن باديس" عام 1948، الذي أعيد نشره تحت عنوان "مجالس التذكير من كلام الحكيم الخبير" عام 1982، ومرة ثالثة تحت عنوان مختلف هو "مجالس التذكير من حديث البشير النذير" عام 1983.

كما ترك كتاب "العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية" الذي طبع عام 1963، وكتاب "رجال السلف ونساؤه" عام 1966، ثم كتاب "مبادئ الأصول" عام 1988. وخلف آثارا عديدة نشرت على شكل مقالات وخطب ومحاضرات وقصائد شعر في صحف بينها المنتقد، والشهاب، والنجاح، والشريعة المطهرة، والسنة المحمدية، والبصائر.

توفي عبد الحميد بن باديس في 16 إبريل عام 1940 بمسقط رأسه قسنطينة، وحمل طلبة الجامع الأخضر جثمانه عصر اليوم التالي، وشيعوه في جنازة شارك فيها عشرات الآلاف من الأشخاص الذين توافدوا من كافة مناطق الجزائر.

وتحول ذلك اليوم إلى رمز للعلم، واعترافا بدوره في الحفاظ على هوية الجزائر العربية والإسلامية في مواجهة من كانوا يسعون إلى "فرنسة " الجزائر وتغريبها عن تراثها الإسلامي.

 

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.