صالح ابن مهنّا الشيخ المصلح المناضل
بقلم: محمد الطيب-
الشيخ أحد مؤسسي الحركة الإصلاحية، ومن أوائل المصلحين في الجزائر، إن لم يكن أولهم، فنهى عن المنكرات، وحارب البدع والخرافات، بل والمحرمات..
ولد في كركرة بالقل بسكيكدة في 1840، حفظ القرآن الكريم والمبادئ الأولى بمسقط رأسه، ودرس العلوم بقسنطينة، ثم توجه في طلبها إلى الزيتونة في تونس، فتتلمذ على الشيخ الجربي، والأديب محمود قبادو، والشيخان صالح ومحمد النيفر، والشيخ محمد الطاهر المازري، وبعد بضع سنين توجه إلى القاهرة، فأخذ عن علماء الأزهر كالشيخ الباجوري، ومصطفى العروسي، ومحمد عليش الطرابلسي، الذي كان معجبا به إلى درجة الانتساب إليه، فيصف نفسه بقوله "العليشي"، ومن أساتذته الشيخ المرصفي، والعدوي، والرفاعي، والشرقاوي، والأشموني، وغيرهم..
في 1887 رجع إلى الجزائر، واستقر فترة للتدريس بزاوية بوحجر بعين البيضاء، وهناك أكمل نصف دينه، ورزقه الله ابنتا، ثم توفى الله زوجه، انتقل لاحقا إلى قسنطينة، بطلب من الشيخ محمود الشاذلي، الذي توسَّط لتعيَّنه إماما في الجامع الكبير، والذي بقي فيه عدة سنوات إلى أن عزلته السلطات الفرنسية، لأنها وجدته "غير مطيع"، هناك كان يُلقي دروس الوعظ والإرشاد، ويدرس بعض الفنون للطلاب، إلى جانب تدريسه في الزاوية الحنصالية، وقد اعترف له الكثير بالشجاعة والكفاءة، وأشادوا بتفانيه وإخلاصه في نشر العلم، مع حفاظه على همته وذمته، فلم يخضع ولم يتملق، واكتفى فقد بأجره من وظيفه، وقد دفع ثمن موقفه الشريف فعُزل من الإمامة، وألب المُحتل الناس عليه، قبض عليه وأسره لولا تدخل الخيرين، وصودرت مكتبته، قبل أن تعيده السلطات إلى منصبه، وترجع له مكتبته التي ضاعت فيما بعد، فقد خاض الرجل حربا ضروسا ضد البدع والخرافات، وحتى ضد "عصاة الأشراف" الذين جادل عنهم الشيخ عاشور بكتاب سماه "منار الأشراف"، فرد في رسالة "تنبيه المغتربين في الرد على إخوان الشياطين"، مبينا أن الشرف له علاقة بالتقوى، فتلقى وابل من الهجاء والشتائم من ابناء جلدته كالخنقي في قصيدته "ترقيص أطفال الكتاب بالصالح بن مهنا الكذاب"، والشيخ الوزاني بكتاب "السيف المسلول باليد اليمنى لقطع رأس ابن مُهنا"، وقد أيد الشيخ صالح علماء آخرون، أشهرهم الشيخ عبد الرحمان الديسي.
درس ابن مهنا حوالي 30 سنة، وله المئات من التلاميذ منهم "الشيخ محمد والد أحمد حماني، المختار بن صالح، يوسف بن رحال.."، وبذل جهدا في تعريف بأهل المغرب، كما ترك كتبا ما تزال كلها مخطوطة إن لم تكن قد ضاعت، ولم يُطبع منها إلا شرحه على رحلة الشيخ الحسن الورتلاني، وفي جاء في كتاب "شروط النهضة" للأستاذ مالك ابن نبي "وإنه لمن الواجب أن ننوه ببعض ما كان من أمر مناجاة الشيخ صالح ابن مهنا كاد يوقظ أهل قسنطينة كلها حوالي 1898، والحق أنه كان في طليعة المصلحين، إذ أنه قام قومة مباركة ضد الدراويش، غير أن الحكومة الفرنسية الساهرة على الهدوء، عملت على إبعاده، وعاقبته بمصادرة مكتبته الثمينة، وفرقت أمثاله، فحولت مثلا الشيخ (المجاوي) إلى مدرسة العاصمة.."، ولم يذكر الشيخ عبر المصادر والمراجع إلا نادرا، ومنها أسطر قليلة كتبها عنه الأستاذ عادل نويهض اللبناني في "معجم أعلام الجزائر"، وما كتبه الأستاذ علي علواش في "معجم مشاهير المغاربة"، وبعض ما ذكر الدكتور سعد الله في "تاريخ الجزائر الثقافي"، وفي كتاب "الشيخ صالح ابن مهنا، حياته وتراثه" للأستاذ سليمان الصيد، قال فيه "أن شخصا لم يُظلم في الجزائر، ولم يُغبن حقُّه فيها كابن مهنا"، مسار الرجل الطيب كله غبن وتحدي في سبيل الاصلاح حتى وفاته في 11 فيفري 1910، وعمره يناهز 70 سنة، كما هو على شاهد قبره في مقبرة قسنطينة، رحمه الله.