الصحافة العُلمائية الباديسية.. البصائر أيقونة الصحف الإصلاحية
بقلم: حسن خليفة-
تحدثنا في سطور مقالنا «ابن باديس الصحافي المؤسس …» عن الحسّ الصحفي للعلامة ابن باديس وإنجازاته في مجال الصحافة والإعلام، ورأينا كيف كان وراء كل الصحف الإصلاحية الثقافية المجتمعية النافعة التي صدرت على مدار نحو خمس عشرة سنة (1925ـ 1940)، وقد ذكرنا منها ما ذكرنا.
ونخصص هذه الأسطر لأيقونة الصحف الإصلاحية الثقافية ونعني بها صحيفة «البصائر» وينبغي التوقّفُ على بعض تفاصيلها التي نسردها فيما يلي، لأهميتها.
لقد صدر العدد الأول من البصائر بالعاصمة يوم الجمعة 27 ديسمبر1935 وكان مديرها ورئيس تحريرها الأستاذ الشيخ الطيب العقبي وصاحب الامتياز الشيخ محمد خير الدين. ثم صدرت البصائر في قسنطينةابتداء من العدد 84 الذي صدريوم الجمعة 29 أكتوبر1937. وكانت البصائر لسان حال جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (ولمّا تزل إلى اليوم) رأس تحريرها حين كانت تصدر في قسنطينة الشيخ مبارك الميلي وبقي الشيخ خيرالدين صاحب الامتياز، وصدر منها في هذا الطور180عددا في ظرف أربع سنوات، انتهت سنتها الأولى بعدد 50 بتاريخ 8جانفي 1937، وابتدأت سنتها الثانية بعدد 51 بتاريخ 15 جانفي1937 وانتهت السنة الثانية بعدد 89. وابتدأت سنتها الثالثة بعدد 90بتاريخ 10ديسمبر1937 وانتهت السنة الثالثة بعدد 141 بتاريخ 25 ديسمبر 1938 . وانتهت نهائيا بعدد 180 بتاريخ 25أوت 1939 مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.
وقد استأنفت البصائر صدورها في سلسلة جديدة (الثانية) وذلك سنة 1947 إلى سنة 1956 وقد أشرف عليها في هذا الطور الشيخ العلامة محمد البشير الإبراهيمي رئيس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين وهو الكاتب الأديب النابغة الداعية العارف المعروف. وقد سجل المؤرخون أن البصائر، في كل عهودها، وخاصة في عهد الشيخين الميلي والإبراهيمي عرفت تطورا كبيرا في الكثير من النواحي، إصدارا وانتشارا، وتغطية للأحداث، ودفاعا عن المقومات والمباديء والقيّم .وفي زمن الإبراهيمي ـ خاصة ـكان الاهتمام بلغتها وأسلوب الكتابة فيها منضبطا دقيقا بمراعاة مقاييس وضوابط حددها الشيخ الإبراهيمي بنفسه وتحدث عنها (مقال رائع في عيون البصائر يُستفاد منه) وهو ما يعني أن صحافة الجمعية بصفة عامة لم تكن تصدر بشكل عفوي عادي سطحي، بل ثمة شروط ومعايير ينبغي الاهتمام بها لأن الجريدة كما قال الإبراهيمي عنها «إن البصائر معرض من معارض البيان الأعلى» «يتنـافس الكتّاب والأدباء في تدبيج المقالات وعيون النصوص لتُنشر فيها. ومن يطّلع على الأعداد المتوفرة وهي ـ بحمد الله تعالى ـ متوفرة؛ حيث طُبعت مرتين طبعها في المرة الأولى الحاج لحبيب اللمسي رحمة الله عليه في دار الغرب الإسلامي ببيروت (لبنان) ثم طبعتها وزارة الثقافة في وقت لاحق، في مجلدات جميلة رائقة راقية.
وحتى لا نغفل معلومة تاريخية مهمة نشير إلى أن البصائر التي صدرت في العاصمة في سلسلتها الأولى كانت تُطبع في المطبعة العربية للشيخ أبي اليقظان أحد أعمدة جمعية العلماء المسلمين الجزائريين والصحافي أو فلنقل أحد آباء الصحافة الجزائرية الحديثة. أما في قسنطينة فكانت تُطبع في المطبعة الجزائرية الإسلامية التي تأسست، بتبصّر واستباق من الشيخ العلامة ابن باديس لاستباق «العراقيل» التي كانت الإدارة الاستدمارية تهيئها،وقد رأينا كم من الصحف أغلقت وعطلت في المقال السابق.
لقد ذكرتُ في الأسبوع الماضي ملتقى وطنيا تم تنظيمه في كلية علوم الإعلام بقسنطينة قبل سنتين، وشهد كل من حضر الملتقى ذلك الاهتمام الكبيرالعميق من شباب الباحثين والباحثات، وقد زاد عددهم على الثلاثين ممن شاركوا وتدخلوا…شهد كل من حضر تلك الحفاوة العلمية ـ إذا صحّ التعبيرـ من أولئك المشاركين الباحثين، وعبّر بعضهم عما اعتبره «اكتشافا» لخزان صحفي ذي قيمة عالية، خاصة فيما يتصل بالمضامين والأشكال الصحفية…وأذكر أنه دار الحديث عن تنظيم ملتقى ثان يُخصص للقيم في صحافة الجمعية وربما يتحقق ذلك.
في تقديري يعني ذلك أنه ما يزال أمامنا كأساتذة، ومهتمين بميراث الوطن وميراث الجمعية، جهد كبير وربما شاق لإيصال الأمانة إلى الأجيال الشابة من الطلبة والباحثين القادمين والباحثات.
ويستلزم ذلك النظر بشكل شامل إلى أهمية طرح الخطاب الصحافي / الإعلامي الجزائري للتداول للاستفادة والانتفاع منه ودراسته وبحثه، وذلك ما نأمل أن يتحقق، بعد أن يرفع الله تعالى علنا هذا الوباء، في ملتقى كبير في إحدى كليات الصحافة والإعلام في جامعة من جامعات الوطن، وحينئذ سنستمع إلى دراسات وأبحاث ومحاضرات عن البصائر في طورها الأخير(الحالي) بموضوعية وعلمية ودقة، لاستكمال ما تم في ندوات وملتقيات جهوية تمت في دراسة الشأن الإعلامي في الجمعية وفي مقدمته جريدة البصائر. آمل أن يكون ذلك قريبا ..
والله وليّ التوفيق