الفضيل الورتلاني.. سفير تحرير الجزائر المكرم 28 عاما بتركيا

بقلم: حسام الدين إسلام-

تعلم على يد العلامة عبد الحميد بن باديس، وضايقته فرنسا، وكان صوت بلاده في بلدان عديدة بينها مصر وتركيا، وعندما توفي ظل 28 عاما في أنقرة، قبل أن تنقل الجزائر رفاته.

كان سياسيا وعالما ومصلحا وثائرا في وجه الاستعمار الفرنسي للجزائر (1830-1962)، ويُعدّ أحد أبرز أعلام جمعية العلماء المسلمين (أكبر تجمع لعلماء الدين بالجزائر)، وعرفته بلدان عدة منها تركيا ومصر، للتعريف بحق بلاده في التحرر، وفي أواخر أيامه استقر بأنقرة لنحو 28 عاما وفيها مات ودفن .

إنّه الفضيل الورتلاني، الذي ولد في 2 يونيو/ حزيران 1900، بمنطقة بني ورتلان بمحافظة سطيف (شرقي البلاد)، واسمه الحقيقي الفضيل بن محمد حسين، لعائلة محافظة ومتعلمة، حفظ القرآن الكريم، وتعلّم اللغة العربية قراءة وكتابة والعلوم الشرعية، وفق ما تذكره مراجع تاريخية.

من “جنة” قسنطينة إلى “جحيم” فرنسا

توجه الفضيل الورتلاني إلى قسنطينة (شرقي البلاد)، عام 1928، وهناك استكمل تعليمه على يد العلاّمة عبد الحميد بن باديس (ديسمبر/ كانون أول 1889 – 16 أبريل/ نيسان 1940) ، حيث تلقى دروسا في التفسير والحديث والتاريخ الإسلامي والأدب العربي.

وبعد مرور 4 سنوات أصبح مقرّبا من ابن باديس، فعيّنه الأخير مساعدا له في التدريس، ثم كاتبا في صحيفتي “البصائر” و”الشهاب” لسان حال جمعية العلماء المسلمين.

وفي عام 1936 ارتحل الورتلاني، إلى فرنسا ممثلا لجمعية العلماء، وكان يتقن الفرنسية، فبدأ نشاطه الدعوي، واتصل بالعمال والطلبة الجزائريين، وأنشأ نوادي لتعليم العربية ومبادئ الدين الإسلامي.

وبعد توسع نشاطاته وشبكة علاقاته،ـ تذكر مراجع تاريخية إن السلطات الفرنسية عملت في 1940 على مضايقته وتهديده، ما اضطره إلى مغادرتها سرّا في هذا العام.

سفير تحرير الجزائر

وتوجه عقب مغادرة فرنسا إلى إيطاليا ثم استقر في القاهرة وتحرك في جولات تعريفية ببلدان عديدة منها تركيا، فكان أشبه بسفير بلاده لإشعال الثورة التحريرية في الجزائر.

وفي محطة القاهرة، انتسب الورتلاني للأزهر الشريف وحصل على شهادته العالمية في كلية أصول الدين والشريعة الإسلامية، واستمر في الدفاع عن القضية الجزائرية.

وبمصر تعرف على الإخوان وانخرط فيها بشكل لافت، وامتد نشاطه إلى اليمن، التي نزل بها عام 1942، حيث نجح في توحيد صفوف المعارضة، ولكن بعدما وصلت المعارضة إلى الحكم اتهم بالمشاركة في محاولة “انقلابية”، قبل أن يغادرها، حسب مراجع تاريخية.

وقالت إحدى فروع جمعية العلماء المسلمين، بصفحتها فيسبوك عام 2018، إن الورتلاني، قام عامي 1950 و1951 بجولتين كبيرتين زار في الأولى سوريا وتركيا واليونان وإيطاليا وسويسرا وبلجيكا وهولندا وبريطانيا وإيرلندا وإسبانيا والبرتغال والمغرب، وعاد إلى بيروت.

وبعد راحة قليلة قام برحلة مشرقية أطول إلى الكويت وإيران والسعودية والبحرين وباكستان والهند وبنغلاديش وبورما وتايلاند وماليزيا فإندونيسيا، وكان في كل بلد ينزل فيها يخطب ويحاضر ويعقد الندوات الصحفية معرفا بالقضية الجزائرية, وكان بحق الصوت الجزائري الأقوى والأعلى آنذاك، وفق المصدر السابق.

ومشهود له في تلك الفترة، بأنه بدأ للتعبئة للثورة في بلاده ضد المستعمر الفرنسي (1954-1962)، وأصدر غداة اندلاع الثورة في 1 نوفمبر/تشرين ثان 1954 بيانا عنوانه “إلى الثائرين من أبناء الجزائر اليوم حياة أو موت”.

شهادات تنصف “الورتلاني

وقال المؤرخ والدكتور بجامعة الجزائر، مولود عويمر، إنّ “العالم والمصلح الفضيل الورتلاني رغم جهاده الكبير في سبيل تحرير الشعوب الإسلامية من السيطرة الاستعمارية وإيقاظ المسلمين من خمولهم الحضاري، فإنه لم ينل نصيبه الكامل من اهتمام الباحثين وتأليف المؤرخين”.

وأضاف عويمر في حديث لـ”الأناضول”: “في العام 1936 اختاره بن باديس للإشراف على نشاط جمعية العلماء الدعوي والإصلاحي في المهجر بفرنسا لتوفره على كل مواصفات القيادة”.

واستطرد قائلا: “وفعلا أسس الورتلاني نوادي التهذيب لتعليم اللغة العربية ونشر مبادئ الإسلام وحارب الرذيلة ونشر الوعي الوطني في صفوف المسلمين المقيمين في فرنسا”.

وعن فترة الورتلاني بمصر أوضح عويمر، أنّه شارك في تأسيس جمعيات خيرية وسياسية في القاهرة، منها اللجنة العليا للدفاع عن الجزائر، وجمعية الجالية الجزائرية، وجمعية الهداية.
وأوضح أنّه باسم جبهة الدفاع عن شمال إفريقيا في سنة 1944، أرسل الراحل عدة برقيات إلى المنظمات الدولية وكتب مجموعة رسائل إلى السفير الفرنسي بالقاهرة آنذاك، منددا بقمع السلطات الاستعمارية للجزائريين الذين خرجوا في مظاهرات 8 مايو/ آيار 1945.

وأكدّ أنّ “الورتلاني زار معظم الدول الإسلامية بهدف شرح القضية الجزائرية ومطالبا بحقهم في تسيير شؤون بلادهم بنفسهم”.

روح تبعث النضال للجزائر

واعتبر عويمر، أنّ الورتلاني ساند الثورة التحريرية (1954) في أيامها الأولى فنشر بيانا بعد ثلاثة أيام من اندلاعها تحت عنوان “إلى الثائرين من أبناء الجزائر: اليوم حياة أو موت”.

وذكر أنّه في 15 نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، أصدر مع الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بيانا: “نعيذكم بالله أن تتراجعوا”.

وتابع قوله: “في 17 فبراير/شباط 1955، شارك في تأسيس جبهة تحرير الجزائر، التي ضمت الشيخ البشير الإبراهيمي وأحمد بن بلة وحسين آيت أحمد ومحمد خيضر والشاذلي مكي وحسين لحول وآخرين (رموز جزائرية)”.

وشدد عويمر أنّ الورتلاني عاش في مقاومة الجهل ومحاربة الظلم، وداعيا إلى التحرر من سيطرة الاستعمار.
وكانت رحلات الورتلاني عبر العالم، فرصة لنصرة بلاده المحتلة، ومناسبة لدعوة القادة والشعوب العربية للنهضة.

وأشار إلى أنّ “نوادي التهذيب التي أسسها الراحل في فرنسا نجحت في استقطاب المسلمين المغتربين إلى دينهم والاعتزاز بحضارتهم، ما أثار مخاوف السلطة الفرنسية”.

ولفت إلى أنّ الراحل ترك في المشرق العربي، آثارا حسنة وسمعة مرموقة حتى أطلق عليه العلماء والقادة العرب لقب “المجاهد” منذ الأربعينات.

بدوره، قال التهامي مجوري نائب رئيس جمعية العلماء المسلمين، للأناضول، إنّ “الورتلاني شخصية متفرّدة في طاقتها، ومن تلامذة بن باديس، يملك طاقة إضافية، وترك أثره في كل مكان حلّ به”.

28 عاما في تركيا

وقبيل إعلان استقلال الجزائر بثلاث سنوات توفي، الشيخ الفضيل الورتلاني في 12 مارس/أذار 1959 بأحد مستشفيات تركيا التي زارها قبل ذلك للتعريف بالقضية الجزائرية.

وظل 28 عاما في أنقرة، حتى سعت الجزائر لتكريمه ونقلت رفاته إلى وطنه الأم في الـ12 مارس/أذار 1987، ودفن بمسقط رأسه.

وما بين ميلاده ووفاته، يبقى الورتلاني، اسما خلدته رحلاته الخارجية لنصرة بلاده، ويذكر له التاريخ مجلده الضخم والأشهر “الجزائر الثائرة” فبه عاش وعاشت ذكريات وطنه وإن كانت مؤلمة جراء احتلال فرنسي “غاشم” آنذاك.


المصدر: الأناضول

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.