الأبعاد الإبداعية في كتابات الشيخ محمد البشير الإبراهيمي
بقلم: د. فتوح محمود / د. سي أحمد محمود-
يعد الإبراهيمي (1889-1965 م) (عليه سحائب الرحمة وطيب الله ثراه) مفخرة من مفاخر الجزائر والعالم العربي والإسلامي بكافة، ورجل من رجال حركـة الإصلاح والنهضة بخاصة، فهو بحق من الرجـال العظمـاء الذين شغلوا الناس على اختلاف مناهجهم وتنوع ثقافتهم، بحيث ملأ نفوسهم بمشاعر ما تـزال حيـة فـي ضـمائرهم وذواتهم، فلم يكن كبقية العظماء، "بل كان أمة، كان جيلا، كان عصرا، كان من أولئك الأفذاذ القلائـل، الـذين أملـوا إرادتهم على الحياة، فأخضعوا الأيام لمشيئتهم فكيفوها كما أرادوا، فأخرجوا بلادهم من مصير شاءه لها الظالمون، إلى مصير رسموه لها بأنفسهم"(1)، وقد صدق أبو نواس حينما قال(2):
وليسَ على االله بمستنكر * أن يجمع العالم في واحد
فالإبراهيمي رجل ألمعي ملمّ باللغة، نهل من ينبوع ثرّ لا ينضب معينه، وصورة من صـور الإبـداع الأدبـي، وقامة من قامات البيان العربي قلّ مثيلها في الخطاب العربي المرسل، وقد قال فيه الشيخ محمد الغزالي رحمه االله: "كان لكلماته دوي بعيد المدى، وكان تمكنه من الأدب العربي بارزا في أسلوب الأداء وطريقة الإلقاء، والحق أن الرجل رُزق بيانا ساحرا، وتـأنقا في العبارة يذكرنا بأدباء العربية في أزهى عصورها"(3)، فإذا خاطب الناس أو كتب شـيئا "ألهب النفوس حماسة وجعل القلوب تشرئب إليه للاستمتاع بفصاحة لسانه وحر بيانه، يدخل المجلس كزهرة ذابلة فإذا هو بعد الأخذ بناصية الكلام أشبه شيء بكوكب دري، ومن عجيب أمره أيضا أنه كان على تبحره في العلم لا يريـد أن يؤلـف كتابا ينسب إليه، سألته _تلميذه جميل صليبا_ عن سبب ذلك, فقال: أمليت على تلاميذي كتبـا كثيـرة فبعضـها نشـر بأسمائهم وبعضها لم ينشر، وإذا كنت قد سمحت لتلاميذي بنشر بعض كتبي المغفلة فمرد ذلك إلى رغبتـي فـي نشـر العلم، إن المؤلفين الذين يحرصون على نشر الكتب بأسمائهم لا يجنون من وراء ذلك إلا العجب والغرور" (4).
وإن أعظم ما يمكن للقارئ أن يقدمه لهذا الرجل الفذ والعالم الألمعي الجليل إلا أن يمعن النظر في خطاباته التي بزّ بها أصحاب الكعب العالي برؤية اعتزاز وافتخار وإعجاب بالعالم الخبير، وأن يسـجل مزايـاه اللغويـة والأدبيـة والثقافية.
وبهذا المنهج الفريد الذي تفرد به الشيخ بلغته وأسلوبه المميز ندخل الموضوع لنعمد إلى السّمات الإبداعية التـي تميز بها منهجه الثري التي تجعل من الرجل حديث العصر ومثال يقتدى به.
أولا: البعد اللغوي:
لقد كان الشيخ الإبراهيمي أديبا متمرنا، ومصقاعا متمكنـا فـي اللغـة، عارفـا بخبايـا العربيـة وبخصائصها المتميزة وبطبيعتها التي تقوم عليها، خبيرا بأسرارها، ضالعا في أساليبها، فإذا تحدث عنها خلته أبا علـى القالي في إطلاعه واستحضاره وفهمه وأمانته، رغم اتساعها وكثرة معانيها ومواضيعها، فإنه بها يبهر العقول وتحـار فيه الأذهان بتوظيفه اللغة الراقية المكتوبة أو الارتجالية، وهذا ما أدى به إلى الإدلاء برأبه الصائب عن قـدرتها علـى النماء والتوسع في المعاني، وفي ذلك يقول:"هذا شأن اللغة، كلما عجزت عباراتها الوضعية عن تأديـة معنـى عظـيم وضاقت عن تحديده، أطلقت عليه كلمة ترددّها الألسنة ويتعارفها الناس، وتشير ولا تحدد، وتركت للعقول التوسع فـي تصور الحقيقة وإبعاد النجعة في طلبها، أما الاسم الذي جعل عنوانا على الحقيقة، فلم يعد أن كان منبهة كما جعلته اللغة، وهذا شأنها في الكلمات ذات المدلول الواسع، مثل:الخير والحق والجمال"(6). وبهذه الرؤية يمكن لنا أن نسجل أهم مزاياه اللغوية:
1-الرمز: معلوم أن اللغة هي نتاج المجتمع، وبها يعبر كل قوم عن أغراضهم، غير أن هناك نـوعين مـن الخطـاب لإيصال المعنى: جلي ومشفر، وهذا الأخير لا نجده إلا عند اللغوي المحنك الذي يملك ناصية اللغة القوية، لأن الرمـز يقوم على علاقات خاصة ليست حسية مباشرة، فالعلاقة فيه "علاقة ذاتية تتجلى فيها الصلة بين الذات والأشياء، وليست بين بعض الأشياء وبعضها الآخر"(7)، وبهذا الأسلوب، فإن توظيف الرمز والإيحاء يؤدي بصاحبه _في بعض الأحيـان _ إلى نتيجة مؤداها عوامل كثيرة، من بينها: ضيق اللغة المتواضع عليها على اسـتيعاب مشـاعره المتدفقـة المتشـابكة والمتداخلة واحتواء وإخراج ما سكن في منطقة اللاشعور، وذلك الجانب النفسي العميق الذي تترسب فيه تلكم الادراكات 8 الصغيرة على مرور الزمن والتي تمثل حقيقة شخصية الإنسان(8).
إن توظيف الإبراهيمي للرمز ولغة القناع في أسلوبه، ما هو "إلاّ وجه مقنّع من وجوه التعبير بالصورة "، لأن ركونه إلى هذا الأسلوب له بعد سياسي وثقافي، مؤداه الهروب من العين التي تتربص به وبشعبه شرا مـن الاحـتلال الفرنسي، لأن هذه اللغة تدون في جرائد الجمعية وتُقدم للمتلقي، والاحتلال يقتفي ويتتبع كل جديد عن جمعيـة العلمـاء، يقول:"ونحن نعلم أن الحكومة تترجم كل ما نكتب، وتقرؤه فتفلي الحروف وتحدد مواقعها من الكلمات، ومواقع الكلمـات من الجمل، ومقام الجمل من المواضيع، وتفسّر وتحلل على قدر ملكتها في العربية وحظها مـن بيانهـا، ونسـتعرض الاحتمالات القريبة والبعيدة في المعاني، وتحمل الكلام من المقاصد، وحظها ما يطيق وما لا يطيـق، وتجـاوز أنـواع الدلالات المعروفة، من مطابقة وتضمين والتزام، إلى الإشارة والإيماء والاقتضاء" (10)، ومن ذلك_أيضا_نظمه لأبيات من الشعر في قصيدته البائية، منبها بها أبناء العروبة لاستغاثته في السراء والضراء، وتناديها في الملمـات للوقـوف إلـى جانب شعبه، إذا ذاق الخناق عليهم من الاحتلال، يقول:
وهم موردي الأصفى المروي لغلّتي * إذا كدّرت (أم الخيار) مشاربي
وهو في هذا البيت يرمز إلى الاحتلال (الفرنسي) الغاشم بـ: أم الخيار، مستعيرا إيـاه مـن قـول أبـي الـنجم الراجز(11):
قد أصبحت أم الخيار تدّعي * عليّ ذنبا كلَّه لم أصنع
ومن النثر، ما نجده في مخاطبته لأهل المشرق العربي في مقاله: (داو الكلوم يا شرق)، وفيه يخاطبهم بلغة الرمز إلى مدّه يد العون لإسعاف أهل شعبه، يقول: "آس جراحنا، وإن كنت مثخنا من ملوكك المغرورين وكبرائك المفسدين وعلمائك الضالين بألف جرح...، ولا يرعك أن على كل فنن من دوحك ديكا يدل الثعلب بصياحه، وغرابا يجلب الشؤم بنعيه"(12).
بهذه اللغة الإيحائية يرمز بالديك إلى العملاء الذين خانوا أوطانهم وتقلبت بهم الأحوال من عبادة الأصنام إلـى عبادة الأصنام البشرية (الاحتلال)، والثعلب الذي يرمز به إلى المكر والخداع الذي يتربص به العـدو، أما الغراب: فيرمز به إلى كل من ناهضوا العربية بكلامهم الدنيء، وتغرّبوا في فكرهم وأخلاقهم، وتعرّبوا في أجسادهم، فهم دخلاء بالنسبة إليه، أجانب في أعمالهم وتصريحاتهم لا محالة.
2-السخرية: هي سمة بارزة في أسلوبه، ونجدها عنده في درجات من القسوة والحدة، يرتفع بعضـها فـوق بعـض، وتنتشر على طريق ممتد من التهكم الساخر، إلى الإقذاع المفحش، وتتنوع بين(13):
- التهكم الذي يرسم الابتسامة على الوجوه، مثل حديثه عن الإدارة الجزائرية وعن المطبخة فيها التي تطبخ التقـارير والقرارات(14).
- التهكم الذي لا يتمالك فيه الإنسان من شدة الضحك والقهقهة، وهذا في مقام حديثه عن تهافت رجال الدين على إدارة الحاكم في تلمسان (15).
- التهكم المقذع المفحش الذي يكوي الجنوب كيا، ويسم الوجوه والظهور بسفود من النار، وذلك في حديثه عن رجـال صيرتهم قابلية الاستعمال، من مثل: العاصمي(16).
فأسلوب السخرية عند الإبراهيمي يدل على امتلاك صاحبه قاموس لغوي، يتفنن من خلاله على إخراج اللفظ من معناه المعجمي، ويوحي به إلى معان ذات دلالة إيحائية بنبرة مسّلية.
3- التدقيق اللغوي: لقد اعتمد في أسلوبه الأدبي على التدقيق في الاستعمال اللغوي، وخاصـة فـي معالجتـة للقضـايا الشائكة، مثل مفردة: (الاستعمار)، التي وقف عندها طويلا، رادا من خلالها على ما تحويه من مفـاهيم متداولـة عنـد العامة من: الخراب والدمار والفساد والنهب والسرقة والقسوة والانتهاك والقتل...، في حين أن "مادة هذه الكلمـة هـي (العمارة)، ومن مشتقاتها التعمير والعمران، وفي القرآن الكريم:﴿هو أَنشَأَكُم من الأَرضِ واستَعمركُم فيها﴾(17)، فأصـل هذه الكلمة في لغتنا طيب وفروعها طيبة، ومعناها القرآني أطيب وأطيب، ولا ننكر من استعمالاتها في ألسنة خاصـتنا وعامتنا إلا العمارة الدرقاوية، ولكن إخراجها من هذا المعنى الطيب إلى المعنى الغربي الخبيث ظلم لها(18).
4- الاقتباس من القرآن الكريم: إن الباب الواسع الذي دخل منه الإبراهيمي على عالم العربية الفسيح هو القرآن الكريم، والذي اقتبس منه بعض المعاني، وكيف لا وهو معينه الأوّل، وصاحبه الذي شب معه منذ عهد التّمائم، فيقـول ازدراء وتحقيرا للاستعمار: "الاستعمار كلّه رجس من عمل الشّيطان(19). مستنبطا إياها من قوله تعالى: ﴿يا أَيها الَّذين آمنُـواْ إِنَّما الْخَمر والْميسر والأَنصاب والأَزلاَم رِجس من عملِ الشَّيطَانِ فَاجتَنبوه لَعلَّكُم تُفْلحون﴾(20)، واقتبس كذلك في حديثة عن تدخل الاحتلال في أمور الشعب الجزائري، وحتى في شريعته الإسلامية التي تعـد من الحريات الشخصية، والتي لا يمكن أن يتدخل فيها أي كان، وكأنه يقول:"لا تدخل المسجد إلاّ بـإذني ولا تصـلّي إلا وراء إمامي، ولا تحج إلا برخصتي، ولا تصم إلا على رؤيتي...، ومعنى هذا كلّه نسخ آية من القرآن بآية من وحـي الشيطان، ولم يبق إلاّ أن تتلوها كما يريد (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للاستعمار)، وكذب الشّيطان الرجيم، وأفك الاستعمار الذّميم"(21). وفي هذا اقتباس من قوله تعالى: ﴿قُلْ إِن صـلاَتي ونُسـكي ومحيـاي وممـاتي لِلّـه رب الْعالَمين﴾(22). وكذلك في مقام حديثه عن الأحزاب، والتي أنكر دعواها التي تقول فيها أن كثرة الأحـزاب فـي الأمـة الواحدة عنوان يقظتها وانتباهها، وضمان وصولها إلى حقها، فقال رادا على ذلك: "ولكننا لم نر من تعدد الأحزاب إلا نقصا في القوة، ونقصا للوحدة، وتنفيسا على الخصم، واشتغالا من بعضهم من بعض، وتعالت كلمة القرآن، فإنه لا يكاد يذكر الأحزاب بلفظ الجمع إلا في مقام الخلافة والهزيمة...ولا يكاد يذكر الحزب المفرد إلا في مقام الخير والفـلاح (ألا إلى حزب االله هم المفلحون)، وأن حزب االله في الأمة الجزائرية هو جمعية العلماء، وأنها المفلحة لا محالة"(23)، مقتبسـا من قوله عزوجل: ﴿أَلَا إِن حزب اللَّه هم الْمفْلحون﴾(24)
5- الاستشهاد بالحديث النبوي: معلوم أن الشاهد لديه قوة التأثير ومصداقية كبيرة فـي السـلم الحجـاجي والخطـاب ألإقناعي، وبخاصة إذا كان من الكلام الإلهي أو النبوي الشريف، وقد وظف الإبراهيمي الحديث النبوي في مقام الـوعظ والتوجيه حول:(أثر الصوم في النفوس)، فدعم أقواله بالعديد من الأحاديث الشريفة، منها(25) :" الصوم لي وأنا أجزي بـه "، "للصائم فرحتان"، و"لخلوف فم الصائم أطيب عند االله من ريح المسك"، وهنا يبرر للمتلقي فائدة الصـوم بـدعوى أنـه يروض النفس ويكسبها الصحة والعافية والثبات والنظام.
6- توظيف الأمثال العربية: إن مكنة الإبراهيمي من اللغة العربية ومحفوظاتها قديما وحديثا جعلته يسترسل في خطاباته بالأمثال العربية الأصيلة دون عناء أو تكلف، فيستخدمها بأسلوب متين يجمع فيه بـين معالجـة الموضـوع وبراعـة الصياغة وبهاء التركيب، خدمة لأغراضه الإصلاحية أو الإرشادية، نذكر منها(26): "اشتدي أزمتي تنفرجـي "، "الأمـور بخواتمها"، "أوسعتهم سبا وراحوا بالإبل"، "بيدي لا بيد عمرو"، "جحر ضب خرب"، وغيرها كثير.
ثانيا: البعد البلاغي: امتلك الإبراهيمي ناصية البلاغة والزاد المعرفي الغزير من العلماء القدامى، حيث نهل من معـين البلغاء والخطباء والشعراء، فانعكس ذلك إيجابا على أسلوبه في شكل تصنع وتأنق، حتى أنك "لا تكاد تقـرأ لـه مقالـة واحدة من مقالاته حتى يكون قد فرض عليك شخصيته وجعلك تتمثّل أسلوبه وتستجليه في كلّ جملـة يخطّهـا قلمـه أو ينطق بها لسانه، فتُدرك أنّه مدرسة فذّة ثابتة الأركان واضحة المعالم. تنطق بعظمته كاتبا وخطيبا ومفكّرا، وتطبعه مـن بين قادة الفكر ودعاة الإصلاح الإسلامي بطابع خاص في مضمار البلاغة والبيان" (27).
وإن منهج أسلوبه البلاغي الإبداعي، يؤكد من تمكنه من أسرار البيان العربي، وفي ذلك يقـول عبـد الـرحمن شيبان:"أما أسلوبه في الكتابة فهو جاحظ عصره، وبديع زمانه، مما جعله بحق معجزة من معجـزات الثقافـة العربيـة 28 الإسلامية في القرن العشرين(28).
وإننا بهذا الأسلوب الراقي نشعر بالروعة الفذة التي تملأ السمع والأبصار، من ملكة البيان الرفيع ولغة البرهان. ويمكن لنا أن نوضح أبرز الصور الفنية التي تبيّن الملكة اللسانية والتي جعلته شاهدا على بقاء العربية
1- التورية: بما أن لغة الإبراهيمي لغة متينة ومحملة في طياتها الرمز، فإننا نجده يذكر للفظ المفرد معنيان حقيقيان، أو حقيقة ومجاز، وفيهما يبرز أحدهما: بدلالة اللفظ الظاهر، والآخر: خفي، فيتوهم المتلقي أن المعنى يريد بـه القريـب، وهذا ما يسمى في اصطلاح البلاغيين: بالتورية، ومن ذلك توظيفه لكلمة (الموجة)، والتي يقصد بهـا (الإذاعـة) التـي فتحتها فرنسا باللغة الأمازيغية، حتى تفصل بين العرب وإخوانهم البربر، وهذا الأمر ثار حافظة الشيخ بفزعه منها ومن خلفياتها، فيقول:"سيعلم الاستعمار أن هذه الموجة ستبتلعها أمواج، وأن المذيعين فيها كالمغنيين في المقبرة(29)" .فالموجة هنا بمعنى الإذاعة، وإن جمعه لهذه الكلمة (أمواج)، ما هي إلا تورية تحتمل قصدين: أولهما: إذاعـات أخرى، والآخر: حركات مناهضة لهذا العمل الشيطاني المفرق بين أبناء الأمة الجزائرية.
2- السجع: إن مكنة الإبراهيمي اللغوية وفراهيته الأدبية جعلت الصنعة اللفظية في أسلوبه تطغى في كتاباته على مواقع كثيرة من وقفاته، بخاصة في السجع، الذي يصدر عن مكبوتاته، سواء كان عفو الخاطر _وهذا كثير في مقالاتـه _، أو كان مقصودا لذاته، والذي يعتمد على عملية التوليد للمعاني، وفي استحضار شوارد الألفاظ والترادف والتطابق، وهـو بهذا المنهج يسير على خطى القدامى في الزخرفة اللفظية، لا على نهج أصحاب سجع الكهان(30)، وفي ذلك يعتمد علـى الإيجاز الفني، والمغزى الثري الذي يحرك ذهن القارئ والمستمع؛ لأنه إذا كان المثل مسجوعا كما قال ابن جنـي :"لـذ لسامعه فحفظه، فإذا هو حفظه كان جديرا باستعماله"، يقول:"اصطنع الكهان السجع ليروقوا السامع ويروعوه، ويسـهل على الناس فيحفظوه ويعوه، ولهم في حوك الكلام مقامات حسان، أخذ منها ابن دريد والهمـذاني ... ومـا عـدا هـذه الأسجاع فهي غصص تتبعها أوجاع"(31).
وفي نسجه لأساليب السجع، نجدها كلها ذات طابع سياسي، ومن خلالها ربط بين الماضـي البعيـد والحاضـر المؤلم ذا النكبات الموجعة، ومن ذلك حديثه عن الشعب الليبي وما يحاك ضده من مؤامرات، يقول:"ويح برقة البـوارق من الدخيل الطارق، ومن الأصيل المارق، ومن اللص السارق، عتبات الفتح بنيت على الكسر، وآسرة الصـيد منيـت بالأسر وصائدة المناسر صادها النسر، وجسر العروبة إلى المغارب عصفت به الأعاصير... فتداعى الجسـر وبـاذلوا الماعون في ساعة العسر، جزوا في العاقبة بالخسر، ثم كانت خاتمة الكيد إرجاعهم إلى القيد" .(32)، وبهذا؛ فإن الإبراهيمي له "طابعه الخاص في التعامل مع السجع خاصة والبلاغة عامة، لأن له استعدادا خاصا به للسير بالبلاغة على طريقة ترضي القارئ، وتستميل السامع على نحو من الذكاء، والموهبة في كيفية التنسيق بين الفكرة وبين العبارة سواء أكان عمله هذا في النص النثري أم في المقطع الشعري" . (33)
3- تجاهل العارف: يوظف الإبراهيمي مفهوم هذا المصطلح بأسلوب ساخر من العملاء الذين يبيعون بلادهـم وشـرف أهلهم من أجل كسب ود المحتل، فيرد عليهم بكلام رجل محنك مدعما رأيه بالحجة البينـة، ومفحمـا إيـاهم بالبرهـان القاطع، يقول:"ما هي علاقة رجال الدين بإدارة الاستعلامات؟ فإن كان فيها سرّ ديني إلهي فلماذا لا يتردد عليها رجـال الدينين المسيحي واليهودي؟(34)، ويلجأ الشيخ في تبكيته لخصومه والسخرية بهم إلى الاحتكام إلى ذوي العقول الراجح، فيقول: "أنصفونا ولو مرة واحدة، أيكون شفيعاً للمسلمين عند ربهم من يصلّي(للبايليك) ويقرأ الحزب(للبايليـك )، ويتـردد على أبواب الحكام... لغير حاجة؟(35)، وبعد أن أفحم الإبراهيمي هؤلاء العملاء بالحجة القاطعة على عمالتهم وجوسستهم، فإنه يصدر حكم التاريخ الذي لا يرحم ولا يجامل في حقهم، فيقول:"إنكم جواسيس...وإن الصلاة خلفكم باطلة" . (36)
ومن الصور الفنية التي وظفها الإبراهيمي بلغة رمزية للدلالة على قوة الإيحاء والإثارة، ما نجده في قولـه :"إن الحكومة استعملت المساجد ورجالها يوم استلمتها من المفتيين الحنفي والمالكي، فمن العدل والمطابقـة ومـن مراعـاة النظير أن ترجعهما إلى المفتيين، يعني الحاليين، أو يعني مفتيا واحدا من الحاليين"(37).
ويذكر كذلك مصطلح: براعة الاستهلال في مقام استهلاله للحديثة عن السياسة المتعجرفة اتجاه التعليم العربـي، وأنه لم يحقق الغاية المرجوة، يقول:"ثم ماذا؟ ... هذا المشروع الذي لم يرزق براعة الاستهلال"(38)، أي: لم يوفـق فـي الانطلاقة الصائبة، ومصطلح «الفصل والوصل»، يذكره في حديثه الرمزي عن السياسة الخسيئة للإدارة الاستعمارية فـي فصـل الدين عن طريقها، يقول: "إنها تصدر القوانين بالفصل، ولكنها تقيدها بالتحفظات التي تجعل الفصل تأكيـدا للوصـل"(39)، فاللغة الراقية أدت بالإبراهيمي إلى الوصف الدقيق لما تدعيه الحكومة الفرنسية فصل الدين عنها، وهو في الحقيقة تأكيد للوصل.
ثالثا: البعد النحوي: إن الإبراهيمي في كتاباته المتنوعة المواضيع والراقية الطرح؛ نجده يوظف أسـاليب متعـددة فـي معالجة للقضايا الشاغلة عقله والعالقة بذهنه، ومن ذلك توظيفه المصطلحات النحوية التي اشرأب محتواها مـن علمـاء النحو القدامى، حيث ردد ذلك في العديد من طروحات أفكاره، مخصصا حديثـه اللغـوي لـردع خصـومه وإبطـال افتراءاتهم، وأبرز هذه المصطلحات نذكرها فيما يلي:
الجملة: بدأ حديثه عن «الجملة» في مقام رده على ادعاءات فرنسا، بقولها: أن الجزائر فرنسية، يقول:"وتصور أنت أن لشخص دارا تعالم الناس أنها مملوكة له بوجه من وجوه الملك، ورأوه يتصرف فيها وينتفع بمرافقها من غير شـك ولا نزاع، فهل يحسن منه في غير المعارض المخصوصة أن يعلن للملا في غير مناسبة أن الـدار داره؟ وهـل يفيـد سامعيه شيئا جديدا يحسن السكوت عليه؟ وهل يحمل السامعون هذا التكرار منه محمل التوكيد اللفظي؟ وهم يعرفون أن التوكيد اللفظي يصح في كلام واحد متصل الجمل، أم هذه الجملة فهي تقع في كلام متعدد وفي أمكنـة مختلفـة، وفـي أزمنة متباعدة" (40)، ففي هذا النص الحجاجي، يتضح لنا أن الإبراهيمي أعطى مصطلح «الجملة» تعريفا دقيقا يوافـق فيـه النحـاة القدامى، حيث الجملة عندهم: ما أفاد معنى يمكن السكوت عنده، ومن ثم ما لا يمكن السكوت عنده لا يعتبر جملة(41).
ومن القضايا النحوية التي تناثرت في صفحات مدوناته، وتنوعت في مؤلفاته، يمكن لنا أن نشير إلى بعض منها فيما يلي:
اسم الجنس واسم الفعل: وحديثه عن ذلك كان يستعملهما بشكل رمزي، من قوله:"رفعنا منارها في وطـن لـم يبـق الاستعمار من عروبته إلا (اسم الجنس) يضربه مثلا للدناءة والخسة والجهل والانحطاط، ولم يبق من عربيته إلا (اسـم الفعل) يجعله رمزا للبذاءة والسباب والشتم" .(42)، ففي هذا النص نجد الإبراهيمي معبرا عن اشتراك معنَيهما في دلالة لفظة (عرب)، والتي يقصد بها فـي الأول اسم الجنس، وكأن كلمة (عروبة) لم تقتصر على كل جنس عربي أو ما له أصول عربية، بل أصـبحت هـذه الكلمـة جنسا: للدناءة والخسة والجهل والانحطاط، أما اسم الفعل، فيتوخى منه: الضجر والممل والسأم، وكأنه قال: أف أو قـام بسب أو شتم حين يسمع كلمة (عرب).
معمولان لعامل واحد: ذكر العامل والمعمول في مقام حديثه عن ربط مشرفي الزوايـا وأئمـة المسـاجد ب السـلطات الاستعمارية، وهي دلالة رمزية توحي بمعناها إلى استعباد هؤلاء لخدمة أغراض إدارتهم الاستعمارية، يقول:"وممـا دل الناس على أن هذا من ذاك، وأنهما معمولان لعامل واحد كما يقول النحاة، وقوعهما في ظرف واحد، وخلوهمـا مـن الظرف والكياسة وحسن الذوق واحترام شعور الأمة" (43). فهو بهذا المعنى الرمزي أقوي في الدلالة من النحـوي الـذي يفضي أثرا اعرابيا في الكلم، والمعمول ما أخذ حكمه الإعرابي بعدما وقع عليه أثر العامل.
النكرة والمعرفة: أشار الإبراهيمي إلى الدور الذي أدته جريدة البصائر في تبيين وإيضاح القضية الجزائريـة بعـدما كانت مطموسة في غياهب الرأي العام، ولذلك وظف مصطلحي من النكرة إلى المعرفة، من قوله: إن"المدى البعيد الذي بلغته البصائر في ربط القلوب وتوحيد الاتجاه، وتضييق دائرة الخلف في الدين والدنيا وتوسيع ميدان التعارف، ثمّ نقـل الجزائر من باب النكرة إلى باب المعرفة" (44).
التصريف: معلوم أن التصريف علم قائم بذاته، وهو خاص بالأفعال والأسماء(45)، وقد وظفه بقوله: "التصريف للألفاظ كالتصريف في الأموال فيه القصد وفيه السرف" (46)، فالإبراهيمي يوظف التصريف هنا بمعنى: أن فرنسا تصرفت فينا وفي أرضنا وأملاكنا مثل تصرف المرء فـي أموالـه إلى درجة الإسراف والتبذير، وعليه فقد شبه تصريف الألفاظ بتصريف الأموال.
النصب والخفض: وفيهما يتكلم عن شخصية المفتي الحنفي محمد العاصمي الذي صار بأقواله يشرع ويحلل ويحرم تماما ما يقع في النحو من نصب وخفض، من قوله:"وما زلنا نتبع أعمال هذا الرجل منذ سنتين ونتوسم من حركاته أنـه عامل نصب وخفض معا" . (47)
الإضافة: ذكرها في حديثه عن العاصمي، يقول:"لو كان من أقسام الإضافة في النحو ما هو بمعنى (على)(48) لخلعنـا على العاصمي لقب حجة الإسلام"(49)، فالإبراهيمي في هذا المصطلح يقصد أن العاصمي شُرف بالاسلام حجةً ولم يعـلُ على الإسلام، لهذا فكلمة حجة أضيفت إلى كلمة الإسلام.
رابعا:البعد النقدي: يعدّ الإبراهيمي من النقاد المتذوقين للأدب العربي بأسلوبه المتميز وبتعبيره وأفكاره الحادة، فهو من العارفين بخصائصه وميزاته، وإن معظم أفكاره النقدية تدور عنده على شقين، من جهة: الانطباعي والمعتمد على الذوق الأدبي، ومن جهة أخرى الموضوعي، وكلها مقاييس تسير على مناهج علماء العرب، وهذه دلالـة علـى تمكنـه مـن الأسلوب وتعمقه بالفكرة، وهو ما نلمحه في مقالاته النقدية، منها: «سؤال وجوابه» الذي تناول فيه بالرد علـى انتقـاد حول شخصية الشاعر الجزائري (محمد العيد آل خليفة)، الذي جرد من لقب "شاعر الشباب وشاعر الجزائـر الفتـاة "، يقول عنه:"انتقد بعض الأدباء تجريدنا للشاعر محمد العيد من الألقاب التي أحق بها وأهلها، واقتصارنا في وصفه علـى لقب:(شاعر الحكم والمثل) ... ونحن نقول لهذا المنتقد المخلص، إننا جردنا شاعرنا من تلك الألقاب مخلصين عن عمـد لأمرين: أما الأول: فهو أن هذه الألقاب الأدبية أصبحت كالألقاب الحكومية، يتمجد بها من لا يستحق التمجيد، ليكمل بها نقصه ويوازن بإيقاعها رقصه، حتى أصبح الناس مترددين في وجه الاستحقاق وعلته، أهو كماله لينقص بها ؟ أم نقصه ليكمل بها؟" (50)، والدارس المتأمل في هذا الكلام يخول له أن الإبراهيمي قد استنتج "أن محمد العيد وأمثاله من المحسنين لفنونهم، قد شبوا عن طوق هذه الألقاب الجوفاء، فزهد فيها زهدا كأنه طبيعي فيه، شان المتشبع بفنه، المتقن لصنعته، حسبه من الشهود والإتقان والإحسان، إما هذه الألقاب، فإنهم لا يرونها بالعين التي يراها بها الناقصون. لا يرونها مكملة لهـم ولا زائدة فيهم... إن الألقاب لا تزيد في قيمة محمد العيد إلا بمقدار ما زادت (الباشاوية) في قيمة طه حسين" . (51)، وإن الممحص النظر في كتاباته النقدية _على سبيل الذكر لا الحصر_ يسجل النقاط التالية:
1- نقد الشخصيات بأسلوب التهكم والسخرية: واجه الإبراهيمي بنقده اللاذع لشخصيات ناصـبتْه العـداء، وناصـرت الطرقيين في حربهم على رجال الإصلاح والحركة الإصلاحية، وكان من هؤلاء (عبد الحي الكتاني) الطرقي، الذي شن حرب معلنة على رواد الحركة الإصلاحية في الجزائر، وكان الشيخ مهيئا لذلك، فسخر قلمه وأرسى سدوله على هـذه الشخصية الماكرة، وألبسه لباس التهكم والسخرية، وتتجلّى هذه السخرية المريرة في مقاله بعنوان:«عبد الحي الكتـاني: ما هو؟ وما شأنه؟»، يقول:"في لغة العرب لطائف عميقة الأثر، وإن كانت قريبة في النظر، منها التسـمية بالمصـدر والوصف به، يذهبون بذلك إلى فج من المبالغة سحيق، تقف فيه الأذهان حسرى، ويغالط به الحـس، فيخيـل ذوبـان الموصوف وبقاء الصفة قائمة بذاتها، كأن الموصوف لكثرة ما ألحت عليه الصفة وغلبت أصبح هو هي، أو هو إياهـا، وعند الخنساء الخبر اليقين حين تقول: فإنما هي إقبال وإدبار. وعلى هذا يقال في جواب ما هو عبد الحي؟ هو مكيـدة مدبرة، وفتنة محضرة، ولو قال قائل في وصفه:
شعوذة تَخطر في حجلين * وفتنةٌ تمشي على رِجلين
لأراح البيان والتحليل كما يقول شوقي، ولعفَّى على أصحاب التراجم من أعاريب وأعاجم، ولأتى بالإعجاز في باب الإيجاز، إذ أتى ببرقية، إلى الأقطار الغربية والشرقية"(52)، ويقدمه مرة أخرى بسخرية، فيقول:"وإذا أنصفنا الرجل قلنا: إنّه مجموعة من العناصر، منها العلم ومنها الظلـم، ومنها الحقّ ومنها الباطل، وأكثرها الشر والفساد في الأرض، _أُطلق عليها لكثرتها واجتماعها في ظرف_ هذا الاسـم المركّب الذي لا يلتقي مع الكثير منها في اشتقاق ولا دلالة وضعية، كما تطلق أسماء الأجناس المرتجلة. وكمـا يطلـق علماء الكيمياء على مركّباتهم أسماء لا يلمحون فيها أصلا من أصولها، ومن الأسماء ما يوضع على الفـأل والتخيـل، فيطيش الفال وتكذب المخيلة. ومنها ما يوضع على التوسع والتحيل، فيضيق المجال وتضيع الحيلة، وإن اسم صـاحبنا لم يصدق فيه إلاّ جزؤه الأول. فهو عبد لعدة أشياء جاءت بها الآثار، وجرت على ألسنة النـاس، ولكـن أملكهـا بـه الاستعمار! أما جزؤه الثاني فليس من أسماء االله الحسنى، ولا يخطر هذا ببال مؤمن يعرف الرجل، ويعرف صـفات عباد الرحمن، المذكورة في خواتيم سورة الفرقان، وإنما هو بمعنى القبيلة، كما يقال كاهن الحي وعراف الحي، وعيـر الحي(53).
قد فضح الشيخ الإبراهيمي كذلك محمد العاصمي مفتي الحنفية باعتباره من عمالة الأئمة الرسميين للاسـتعمار، حين هد أركان الطرقية الضالة، ولذلك أنشأ العاصمي منظّمة الأئمة الرسميين وجعل لها مجلّة تنطق بلسـانها، أطلـق عليها «صوت المسجد»، فأرخى له الشيخ زمنا وتغافل عنه حينا حتى ظن أنّه نسيه، ولكن الإبراهيمي تفرغ لـه مـرة وكتب فيه مقالا لاذعا، ألفاظه كأنّها شهب محرِقة، يفتتح بقوله:"واعجبا لما تصنع هذه الحكومة ببعض الرجال منّا، تعمد إلى الواحد منهم فتبقيه على سحنته، ولكنها تفرغه شُحنته" (54). ثم يتكلم عن العاصمي فيكتب عنه قائلا: "ما أشأم العاصمي" على نفسه! فقد سكتنا عنه فأبى، بعد أن جارانا فكبا، وما تحدثنا عنه في الماضي إلاّ باعتباره أداة لا شخصا، وما سكتنا عنه بعد ذلك إلاّ لأننا أوسعنا تلك الأدوات تحطيما وتهشيما... ولكن هذا الرجل المصنوع يأبى علينا إلاّ أن نعتبره شـيئا قائما بذاته"(55).
وبعد أن يسكت عنه الإبراهيمي لفترة من الزمن، وبزيادة طغيانه في الأقاويل، فإننا نجده يرسل عليه شواظ مـن نقد من نَّار ونُحاس، فبقول:"وها نحن أولاء نعود للحديث عنه مكرهين، ولا نخوض من جديد في شبهاته التـي يظنّهـا حججا، وضحضاحه الذي يراه لججا، إذ بعض المحظور في ذلك أننا نحقق له بعض مناه ...وإنّنا لا نعني بما نقول ذلك الرجل المدعو محمد العاصمي، الذي شب في (قُصيرِ الحيران) واكتهل معلّما للصبيان، وشـاب خادمـا لقـاض فـي ديوان...وإنما يعنينا هذا الشيء المسمى محمد العاصمي المفتي الحنفي، الذي وسع الشقّ، بتنكّره للحق، والذي نصـب نفسه عونا للمعتدين على الدين، والذي استطال بقوة الأجانب، على ضعف الأقارب، والذي سود وجه الإسلام بمـؤازرة 56 الظلام، والذي جعل الإفتاء ذريعة للإفتيات، وإساءة الأحياء حجة على إحسان الأموات" وبهذا النقد اللاذع الموجه للعاصمي، فإن الشيخ ينوه ويحذر من هذا النوع الذي يدعى الإسلام ويخدم المسـتعمر على حساب أبناء وطنه، وما هذا النقد الجارح إلا درس لمثل هؤلاء الذين اشتروا الظلالة بالهدى لتحقيق مـآربهم فـي اتخاذ الإفتاء ملاذا لهم، وهدف كل هذا هو بثّ التفرقة الدّينية والطائفية في الجزائر بغية زعزعة وحدة الأمّة الجزائرية.
ولم يتوقف النقد عند هذين الشخصيتين، بل امتد إلى شخصيات أخرى من أمثال: محمد السعيد الزّاهري، بعـدما كان مناوئا لرجال الجمعية والحركة الإصلاحية، فاشتدّت العداوة بينه وبين الشيخ(57). ومحمّد الطّاهر بن عاشـور الـذي مسه النقد بمناسبة إفتاءه بجواز قراءة القرآن على الأموات(58)، والتّهامي المغربي، الـذي كـان مـن أخلـص عمـلاء الاستعمار في المغرب الشقيق(59)، والمستشرق الفرنسي لويس ماسنيون، الذي يعد من جواسيس الاستعمار(60).
2- الشعر الملحون في ميزان النقد: بالرغم مما عرف عن الشيح من تشبعه بالثقافة السلفية وانتمائـه إلـى المدرسـة التقليدية التي تهتم بالعربية الفصحى، إلا أن هذا لم يمنعه من الاهتمام بالعامية ولم نجد له تعصبا رافضا لها، وبخاصـة الشعر الملحون الذي أعجب به كثيرا، وعرف معظم أعلامه فكتب حوله كتاب عنونه بــ (التـراث الشـعبي والشـعر الملحون في الجزائر)، وعد شعرية لغة هذا الشعر لها ميزة فريدة؛ لأن"الشاعر الموهوب _عنده_ شاعر، وإنمـا اللغـة قواعد، فإذا لم يستطع سبك المعاني في القوالب الفصيحة والألفاظ الصحيحة صبها في القوالب التي يفهمهـا النـاس" (61)، ويعد هذا النوع من الشعر له وشائج وطيدة مع الشعر الفصيح، مستشهدا من أنه "قد نقل ابن خلدون في مقدمة تاريخـه كثيرا من تلك الأشعار بغرض الاستدلال على ما وجد في تلك الأشعار من خصائص من الشعر العربـي مثـل المـدح والحب والحماسة والفخر وغير ذلك من المعاني التي يشتمل عليها الشعر الفصيح، وقد قرأنا ذلك النموذج من الشعر فما غم علينا معنى فيه" (62)، لأن" الشعر العامي عندنا في الجزائر يشتمل على كثير من أغـراض الشـعر الفصـيح وفـي المواضيع التي يتناولها كالمدح والهجاء والفخر والخلاف إنما في العمق وقوة التأثير".(63)
ولذا فإن الشيخ الإبراهيمي يعتز بالشعر العامي ويهتم به، لأنه يخرج عن وعي عميق وقلب رقيق لما فيـه مـن بلاغة في التصوير الفني وحكم مأثورة، واعتبره ثمرة من ثمرات التراث العربي الأصيل، وأوصى به خيرا، بقوله: "وإن فيه لبدائع لا يليق بها الإهمال، وقد ضاع بعضها ولم يبق إلا القليل مما يحفظه الحفاظ ويروونه، وهذا أيضـا معـرض للزوال لعدم العناية به"(64)، وكان يهدف من وراء المفردات العامية لا إمتاع المتلقي فقـط ، بـل الإبـلاغ والإصـلاح والنصح والإرشاد.
خامسا: البعد السياسي:
1- دفاعه عن الدين: يطالب الإبراهيمي في العديد من المواقف عن فصل الدين عن الدولة التي تعد نفسها منارة الحرية الدينية والساسية، وتعمل نقيض ذلك في الجزائر، فيقول:"قرأنا سير الإنكليز في الهند فوجدناهم بالغوا في إعطاء الحرية بين (قُراء البقرة) بالحقّ وبين (عباد البقرة) بالباطل، ويسروا سبيل الحج حتى اتّسع معنى الاستطاعة"(65). فالإبراهيمي يجنح إلى الرمز، فيوحي إلى الهندوس بِعباد البقرة، ذلك أنّهم يقدسون هذا المخلوق ويحرمون ذبحه ويعبدونه، وبين قُراء (سورة) البقرة وهم المسلمون، فيعملون بالباطل.
وكذلك حديثه عن موضوع:" أعراس الشيطان"، والمتمثلة في البدع الدينية التـي كثـرت آن ذاك فـي الثقافـة الشعبية، من إقامة ولائم وذبائح لغير االله، والتي تسمى (الزردة) وفي ذلك يقول:"وقد يحض (المعمـر) معهـم الـزردة يشاركهم في ذبح القرابين، ليقولوا عنه أنه محب في الأولياء خادم لهم، حتى إذا تمكن من غـرس هـذه العقيـدة فـي نفوسهم راع عليهم نزعا من أيديهم، وأجلاء لهم عنها، وبهذه الوسيلة الشيطانية استولى (المعمرون) على تلك الأراضي الخصبة التي أحالوها إلى جنات(66).
وإن أحداث مجازر 08 ماي 1945 قد تركت جرحا عميقا في نفس الشّيخ، دفعته لإيقاظ من لا يزال يؤمن بعدالة فرنسا، وبمدنيتها فيقول:"يا ممسكي الأعنّة، إن ركوبة الباطل صعبة فلا تَتَقَحموا، ويا مشرعي الأسنّة، إنّه لا سهم فـي الجعبة فلا تتوهموا، ويا منتهكي الحرمات ما ماتت الحرية بينكم ولكن الحر مات، ويـا ناشـدي الحـق فـي مجـامع المبطلين... لا ردّ االله ضالّتكم، أتطلبون الفصّ من اللّص، وتقيسون في مورد النّص، إن الحق ينشدكم فلا يجدكم، فـلا ترجون وجدانه حيث تبطلون نُشدانه؟ التمسوه في صفوفكم المتفرقة، وآرائكم المغربة المشرقة، فإذا لم تجدوه فلا تلوموا الذّئب على الافتراس، الأماني كواذب، وأكذب منها رجاء العدل من مستعمر"(67).
وفي مسألة تدخّل فرنسا في كلّ شؤون الجزائريين حتى في دينهم الذي هو من الحريات الشخصـية للمـواطن، يحدثنا الإبراهيمي عن ذلك مرسلا حسراته وزفراته ممزوجة بسخرية وتعريض بهـذا التّـدخل السـافر فـي شـؤون الجزائريين يقول:"هلم إلى الدين تجد الاستعمار الذي كفر بالأديان يقول لك بصريح القـول والعمـل :أنـا أحـقّ منـك بالتصرف في دينك، فلا تدخل المسجد إلاّ بإذني ولا تصلّي إلا وراء إمامي، ولا تحج إلا برخصتي، ولا تصم إلا علـى رؤيتي، ولا تُزك إلا بعد استشارتي، ولا تضع زكاتك إلاّ حيث أريد لا حيث تريد، ومعنى هذا كلّه نسخ آية من القـرآن بآية من وحي الشيطان، ولم يبق إلاّ أن تتلوها كما يريد (قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي للاستعمار)(68) وكـذب الشّيطان الرجيم، وأفك الاستعمار الذّميم(69).
ويواصل الشيخ بمنهجه المبدع في دفاعه عن الدين الإسلامي، وما يتعرض له من مضايقات الاحتلال، فيستعمل لفظة الوحي للتعبير عن مراده، فيقول "يوحي شيطان الاستعمار إلى الحكومة وحيا متتابعا، لا فترة فيه فإذا تلقّت الوحي ونزل به الروح الخبيث على قلبها، نجمته على فترات، وأوحت في كلّ فترة إلى أوليائها ما يثير شرا، أو يـوقظ فتنـة، وقد أصبح المجلس الجزائري اليوم متنزل وحيها، فلا تمضي فترة إلاّ وأوحت إليه شيئا من ذلك النّـوع، الـذي يثيـر الشّرور أو يوقظ الفتن(70)، ففي هذا النص كرر الكاتب لفظة «الوحي» ستّ مرات، ليعبر بها عن رفضه لسياسة وحي الاحتلال في تعاملـه مع الدين الإسلامي، ولرفع يده عن أوقاف الجزائريين التي يتصرف فيها بغير وجه حقّ، وفي هذا يسخر من الاحـتلال الذي يتلقى هذا الوحي من الشيطان الرجيم.
2- دفاعه عن اللغة العربيـة: إن اللغة العربية عند الإبراهيمي تتلاحم مع الدين الإسلامي والعروبة في آن واحد، بحيث لا يمكن الفصل بينهما، وفي دفاعه عن هذه اللغة الخالدة نلتمس في منهجه العلمي رسوخه العقلي بهذه اللغة، حيث نجده تأثر بها تأثرا بينا صريحا، ولذلك أضحت العربية شغله الشاغل، وسلاحه في الدفاع عن الشعب الجزائري، والمـتمعن في كتاباته يلحظ دفاعه عن اللغة العربية، ومن قوله:"اللغة العربية في القطر الجزائري ليست غريبة ولا دخيلة، بل هي في دارها وبين حماتها، وهي ممتدة الجذور مع الماضي، مشيدة الأواخي مع الحاضر، طويلة الأفنـان فـي المسـتقبل، ممتدة مع الماضي؛ لأنها دخلت هذا الوطن مع الإسلام على ألسنة الفاتحتين، ترحل برحيلهم وتقيم بإقامتهم، فلمـا أقـام الإسلام بهذا الشمال الإفريقي إقامة الأبد وضرب بجرانه فيه، أقامت معه العربية لا تريم ولا تبرح، مادام الإسلام مقيما لا يتزحزح، ومن ذلك الحين بدأت تتغلغل في النفوس، وتصاغ في الألسنة واللهوات، وتنساب بين الشفاه والأفواه"(71).
وكذلك ندد على السياسة الخبيثة للمحتل الغاشم في منع تدريس هذه اللغة وتعليمها لأبناء أمتـه فـي الجزائـر، ومطاردته المعلمين الأحرار الذين لا يملكون وثيقة إدارية من السلطات الفرنسية، وهذه الأخيرة لا يملكها إلا من كان له حظ عظيم، بل على العكس من ذلك تسهل على منح رخصة فتح مقهى أو حانة خمر بدلا مـن مـنح رخصـة تعلـ يم العربية، وهدفها الوحيد هو تشغيل الجزائريين عن تعاطي السياسة، ووضع على ظهورهم أحلاس الجهل بانغماسهم فـي المقاهي، ورواد حانات الخمر متسكّعي الشوارع، لا طلاّب علم مستنيرين؛ لأن هذا يعني نهاية الاسـتعمار مـن هـذه الدّيار. فحقّ التّعليم فرض واجب في فرنسا، ومحرم في الجزائر، يقول:" يحرم الاستعمار الفرنسي التّعليم على مسـلمي الجزائر، ويفرضه على أبنائه في وطنه، فأعجب لشيء واحد يحرم في وطن، ويفرض في وطن، ومن عرف الاستعمار معرفتنا به لم يعجب ولم يندهش، خصوصا في وطن كالجزائر لغته العربية ودينه الإسلام(72)، فالإبراهيمي ربط حق تعليم اللّغة العربية في الجزائر بالإسلام، الذي جاء إلى هذه الربوع فاتحا للعقول والقلوب، فأقام ومعه العربية إقامة الأبد(73)، وبذلك فهو يرد بأقواله اللاذعة على ادعاء فرنسا من أنّها نشرت الحرية والمدنية فـي الجزائر، وحضرت شعبها من بدائيته، وعلمت أبناءه بقوله:" بعد هذا كلّه _وأمثاله معه_ تمـن فرنسـا علـى مسـلمي الجزائر، وتقول:إنها علّمت، وما علّمت، ولكنها قلّمت.... وما أغرب شأن الجزائريين مع الاسـتعمار الإفرنسـي :فئـة تدرس في جامعة، وملايين ترسف في جامعة(74) ويا بعد ما بين الطّرفين"(75)، فالذين لهم حق التعليم في ظن الشيخ هي تلك الفئة القليلة من أبناء القياد والباشاوات والعملاء وأذناب فرنسا، في حين أن معظم الجزائريين يتخبطون في الأمية والبؤس والشقاء.
ونجده كذلك يحذر النخبة الواعية إلى التنبه إلى دعوة الحكومة لتعليم اللغة العربية بالمكاتب الفرنسية، فهي دعوة مشبوهة في نظره، تحمل في طياتها مكائد، والتي يسميها: «المطبخة الفرنسية»، بقوله:"فما معنى هـذا؟ ومتـى كانـت المكاتب الحكومية الابتدائية تعلّم العربية؟ لا معنى لذلك إلاّ أن المطبخة دائبة على المطبخ" (76) فالإبراهيمي دافع ونافح عن اللغة العربية بكل ما يملكه من قوة الكلمة ونضالها، لما لها من عظمة وخلود فيالدنيا والدين، فجاءت معظم طروحاته وليدة أفكاره.
خاتمة:
إن السمات الإبداعية في الأسلوب الأدبي عند الإبراهيمي بعامة، تتميز برصانة التركيب وإحكام البناء، بدءا من اختيار اللفظة المناسبة ووضعها المكان اللائق بها، إلى النسج المزركش بالصور الفنية، وهو بهذا المنهج مـا هـو إلا "استمرار للأساليب الفحلة القديمة وتطور لتعابيرها وطرائقها في تدبيج القول وزخرفة الكلام، لذلك يجـد فيـه الباحـث كثيرا مما يجد في الأساليب الفحلة القديمة من جزالة الألفاظ ووضوح في المعاني وحرص على التأنق فـي الأسـل وبورغبة في رشه بالمحسنات اللفظية والمعنوية على اختلافها". ويمكن لنا أن نختم بأهم المزايا التي يتميز بها أسلوبه في معالجة القضايا الأدبيـة واللغويـة وحتـى السياسـية والاجتماعية فيما يلي:
- إن الأسلوب عنده لا يخلو من الزخرفة اللفظية بالألوان البديعية، والتأنق في اختيارها مع زنة تراكيبها، زيادة على ذلك استعماله أسلوب السخرية في معالجة القضايا، وهذا ما يدل على انتلاكه قاموس لغوي ثري تفنن من خلاله على إخراج اللفظ من معتاه المعجمي إلى دلالته الإيحائية.
- امتلاكه أسلوب الحجاج في دفاعه عن هوية الأمة وكيانها ورده عن خصومه بالأدلة القاطعة، ومصدر ذلك: نهله مـن معين علماء التراث العربي من: نحو وبلاغة وفقه وعلم الكلام والمنطق.
- امتلاكه ثروة لغوية هائلة ما جعله يميز بين دلالة المفردة والواحدة وأخرى، وهذا مـا مكّ نـه مـن إصـابة المعنـى واختصار الكلام.
- تركيزه على سلامة اللغة، ودقة الوصف في التعبير، لأن في لغتنا إذا فسد الذوق فسد التركيب والمعنى، ومثل ذلـك(77)، إذا "أطلقنا الأسماء الخاصة على الجنس العام، وقلنا في الأمة الوكعاء إنها عقيلة نساء، وفي العنز الجرباء إنهـا كريمـة مال، ثم أوغلنا في التشبيه على هذه الطريقة، فقلنا في شموع المولد: إنها كواكب درية، وفي صواريخ الصـبيان: إنهـا قنابل ذرية، إذا فعلنا ذلك أفسدنا اللغة أولا، ثم أفسدنا الأخلاق ثانيا، وملأنا العالم بالزور والغرور" . (78)
- استعماله الشارد والغريب في اللغة، يقول: إن"في هذه الفصول من لبوس الألفاظ ما يراه المتخلفون من كتابنا غريبـا، وما غرابته في أذواقهم إلا كغربة الأعلاق النفيسة في أسواقهم، ولو حفظوه ووعوا معانيه وأجروه في مواضـعه مـن كلامهم، وأحسنوا إجراءه في ألسنتهم وأقلامهم لأحيوه فحيوا به، ولأصبح مأنوسا لا غريبا، وأصبحوا من لغتهم قريبـا، لكن أعياهم الإحسان فعفّروا في وجوه الحسان"(79).
- استعماله الألفاظ الأجنبية: فالإبراهيمي لم يكن يجهل اللغة الفرنسية، بل كان على قدر واسع بالعلم بها، وهذا ما نجـده في كتاباته المتنوعة(80)، مثل لفظة:(الكوميسير)، والتي تعني محافظ الشرطة، و(الديكري)، والتي تعني: رجال الدرك.
- توظيفه الألفاظ العامية ودفاعه عن الشعر الملحون لغاية إصابة المعنى، من ذلك استعماله كلمة (طكوك)(81) الشعبية، في مقام ذكره للأسابيع، للدلالة على ما سنه الاحتلال من أسابيع ليحتفل بهـا، مـن قولـه: "أسـبوع العـرس، وأسـبوع المأتم... وأسبوع طكوك، وغير ذلك من الأساليب المختلفة" حياءك والتـي تعنـي: إلـزم، وكذلك كلمة: (اختش) المصرية.
هوامش الدراسة:
1- أحمد توفيق المدني، الإبراهيمي كان أمة، كان جيلا، كان عصرا، مجلة الثقافة، ع 87 مايو 1985 ، ص 39
2- أبو نواس: ديوانه، شرح محمود أفندي واصف، المطبعة العمومية بمصر، ط1 ،ص87
3- آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج 04 ،ص05
4- أحمد توفيق المدني، الإبراهيمي كان أمة، كان جيلا، كان عصرا، ص57
5- محمد إبراهيم الكتاني: الإمام محمد البشير الإبراهيمي، مجلة الوعي، دار الوعي للنشر والتوزيع، العدد2 ،2010 ،ص08
6- عيون البصائر، ص534
7- أحمد فتوح أحمد: الرمز والرمزية في الشعر العربي المعاصر، دار المعارف، القاهرة مصر، دط، 1984 ،ص203
8- ينظر:محمد ناصر بوحجام:أثر القرآن في الشعر الجزائري الحديث، ج2 ،ص269
9-عز الدّين إسماعيل:الشعر العربي المعاصر قضاياه وظواهره الفنية والمعنوية ، ص 195
10- عيون البصائر، ص144 .
11- ينظر:عيون البصائر، ص476.
12- عيون البصائر، ص553 .
13- ينظر: شكري فيصل: قضايا الفكر في آثار الإبراهيمي، ص208،209 .
14- ينظر:عيون البصائر، ص64،65 .
15- ينظر:عيون البصائر، ص153 .
16- ينظر:عيون البصائر، ص68 ..
17- سورة هود، الآية 61 .
18- عيون البصائر، ص582 .
19- جريدة البصائر، السلسلة 02 ،السنة 02 ، عدد 83 ، 16شعبان 1368هـ/13 جوان 1949 .
20- سورة المائدة، الآية 190 .
21- عيون البصائر، ص403 .
22- سورة الأنعام، الآية 162 .
23- عيون البصائر، ص39 .
24- سورة المجادلة، الآية 22
25- آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج3 ،ص478.
26- ينظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج2 ،ص368 ،ج2 ،ص358 ،ج1ص241،ج2ص317، ج3ص43
27- باعزيز بن عمر: من ذكرياتي عن الإمامين الرئيسين عبد الحميد بن باديس ومحمد البشير الإبراهيمي،ص106 /107
28- عبد الرحمن شيبان: الإمام الشيخ محمد البشير الإبراهيمي واللغة العربية، ضمن كتاب الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بأقلام معاصريه، دار الأمة، الجزائر، ط2 ،2007 ،ص73 .
29- جريدة البصائر، السلسلة 02 ،السنة 02 عدد 42، 27 ،شعبان 1367هـ/05 جويلية 1948م.
30- وهذا منهي عنه شرعا، لأن "الرسول العظيم لم يذم السجع كله، وإنَّما ذَم ما كان مثل سجع الكهان لا غير، وقد ورد في القرآن"،ينظر: أحمد مطلوب : معجم المصطلحات البلاغية وتطورها، مكتبة لبنان ناشرون، بيروت لبنان، ط2 ، 1996 ،ص 312 .بدليل الحديث الشريف:« أَسجعاً كَسجغِ الكُهان »، ينظر الحديث:ابن قتيبة: غريب الحديث، ص 317 .
31- عيون البصائر، ص596.
32- عيون البصائر، ص612 .
33- محمد عباس: البشير الابراهيمي أديبا، ديوان المطبوعات الجامعية، وهران الجزائر، دط، دت، ص312
34- آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ج 03 ،ص 161 .
35 -نفسه، ص 205 .
36 -نفسه، ص 205 .
37- عيون البصائر، ص89 .
38- عيون البصائر، ص266 .
39- عيون البصائر، ص172 .
40- عيون البصائر، ص387.
41- ينظر:ابن عقيل: شرح ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محي الدين عبد الحميد، دار الفكر، بيروت لبنان، ج1 ،ص14.
42- عيون البصائر، ص37.
43- عيون البصائر، ص438 .
44- عيون البصائر، ص554 .
45- يقتصر التصريف على نوعين من الكلام: الافعال المتصرفة والأسماء المتمكنة 46 عيون البصائر، ص603 .
47- عيون البصائر، ص77 .
48- ينظر ابن جني: الخصائص، دار الفكر، بيروت لبنان،ط2 ،دت، ج3 ،ص56 .
49- عيون البصائر، ص158 .
50- جريدة البصائر ، السلسلة 2 ،ع 143 ،1370ه -1951 م .
51- جريدة البصائر ،السلسلة 2، ع 143 .
52- -عيون البصائر، ص 615 .
53-المصدر نفسه، ص 607 -608 .
54- عيون البصائر، ص 151 .
55- المصدر نفسه، ص 152
56- المصدر السابق، ص 153 .
57- ينظر:عيون البصائر، ص 639 .
58-ينظر: آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي،ج1 ، ص 222/223 .
59-عيون البصائر، ص 464 .
60-عيون البصائر، ص 394/395 .
61-محمد البشير الإبراهيمي، التراث الشعبي والشعر الملحون في الجزائر، ص22 .
62-المرجع نفسه.
63-نفسه، ص24 .
64-نفسه، ص25 .
65-عيون البصائر، ص 93 .
66- عيون البصائر ، مصدر سابق، ص 457.
67- -عيون البصائر، ص398 .
68- -يقول عز وجل:﴿قُلْ إِن صلاَتي ونُسكي ومحياي ومماتي لِلّه رب الْعالَمين﴾سورة الأنعام، الآية 162 .
69-عيون البصائر، ص403 .
70-عيون البصائر، ص 125 .
71- جريدة البصائر، سلسلة2،العدد 41 ،السنة2 ،1367 ه 1948 .وينظر : عيون البصائر ، ص 221 .
72-عيون البصائر: ص 237 .
73-عبد الرزاق قسوم: اللغة العربية في العهد الاستعماري، مواقف الإمام الإبراهيمي، عالم الأفكار للطباعة والنشر والتوزيع، ط 01 ،2007 ، ج04 ،ص 07 .
74-جريدة البصائر، السلسلة 02 ،السنة 02 ،عدد 68 ، 23 ربيع الثاني 1368هـ/21 فيفري 1949م.
75-الجامعة: هي القيد الذي يجمع اليدين والرجلين. ينظر: المصدر نفسه.
76-جريدة البصائر، السلسلة 02 ،السنة 02 ، عدد 68 ، 23 ربيع الثاني 1368هـ/21 فيفري 1949م.
77- عبد الملك مرتاض: فنون النثر الأدبي في الجزائر، ديوان المطبوعات الجامعية، الجزائر، ط1 ،1983، ص336 .
78- عيون البصائر، ص675 .
79- لاعيون البصائر، ص595 .
80- عيون البصائر، ص251،254.
81- ترتبط بفصل الربيع والتي تعني في الثقافة الشعبية: فترة هيجان الحيوان.
82- عيون البصائر، ص373.
83- عيون البصائر، ص 466.
د. فتوح محمود - جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف (الجزائر) كلية الآداب والفنون قسم الأدب العربي
د. سي أحمد محمود - جامعة حسيبة بن بوعلي الشلف (الجزائر) كلية الآداب والفنون قسم الأدب العربي