الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في الموصل
بقلم: أ.د. إبراهيم خليل العلاف-
الشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري لمن لا يعرفه، ولم يسمع به من قبل مناضل ومجاهد ، ومفكر وعالم ديني ومصلح جزائري معروف عاش بين سنتي 1889 و1965 . هذا الرجل عرف الموصل وعرفته وقد زار الموصل أكثر من مرة.
وقبل أن أتحدث عن زياراته للموصل اقول أن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي من الشخصيات الوطنية الجزائرية، وكان له دوره رحمة الله عليه في تاريخ الجزائر الحديث وفي التاريخ العربي الحديث والمعاصر فهو – كما جاء في سيرته الشخصية – محمد بن بشير بن عمر الإبراهيمي ولد في مدينة سطيف في الجزائر وهناك بدأ تعليمه الأولى وانصرف لدراسة القرآن الكريم وحفظه كما هو الحال في كل المدن العربية والإسلامية .
وقد كتب عنه كثيرون.. وممن كتب عنه بإختصار الاستاذ ياسين الجسيني في (موسوعة أعلام العرب) التي أصدرها بيت الحكمة ببغداد سنة 2000 وقال أنه غادر الجزائر سنة 1911 قاصدا والده الذي كان يقيم في المدينة المنورة وفي طريقه زار القاهرة حيث كانت القاهرة انذاك مكانا لتجمع عدد من رجالات حركة النهضة العربية أمثال السيد جمال الدين الأفغاني والشيخ محمد عبده والسيد عبد الرحمن الكواكبي .
درس في المدينة المنورة وهو في المدينة المنورة اتصل سنة 1913 بالشيخ عبد الحميد باديس الشخصية الجزائرية التي رفعت شعار الإصلاح والتخلص من الاستعمار الفرنسي وقد اتصل بالشيخ عبد الحميد بن باديس ودرسا سوية حالة بلدهما الجزائر وكيف يمكن التخلص من الاستعمار الفرنسي وكان هذا الاتصال حجر الزاوية في حركة النهضة في الجزائر وتعميق الوعي بين ابناء الجزائر وبعد انتهاء دراسته في المدينة المنورة انتقل الى دمشق سنة 1916 حيث عمل مدرسا للغة العربية وادابها في واحدة من مدارس دمشق الثانوية وخلال وجوده في دمشق كان يخطب ويلقي المحاضرات في الجامع الاموي وفي دمشق التقى برجل النهضة العربية في دمشق الشيخ محمد رشيد رضا وعملا سوية من اجل تعميق الوعي العربي القومي والاسلامي من خلال ما كانا يكتبانه في الصحف من مقالات وما كانا يلقيانه من محاضرات .
في سنة 1920 عاد الى وطنه الجزائر واتصل بالشيخ عبد الحميد بن باديس وأخذ يكتب في جريدته ( الشهاب ) وعملا على تأسيس جمعية العلماء الجزائريين سنة 1930 واخذت الجمعية تقود النشاطات السياسية الوطنية وكان لهذه الجمعية فروع في عدد من المدن الجزائرية وانتخب الشيخ عبد الحميد بن باديس رئيسا للجمعية والشيخ محمد البشير الابراهيمي نائبا له . وقد حظيت الجمية بالتفاف الجزائريين حولها وقد كان لها دورها في الحفاظ على المؤسسات الدينية في الجزائر من تعديات المستعمرين الفرنسيين عليها وقد اتخذ الابراهيمي من وهران قاعدة له وقد قام المحتلون الفرنسيون بحل الجمعية وفروعها مستغلة ظروف الحرب العالمية الثانية وقد اعتقل الابراهيمي وابعد عن الجزائر واعتقله الفرنسيون في المغرب ولم يطلق سراحه إلا في أواخر سنة 1943 وقد عاد لممارسة دوره في قيادة جمعية العلماء الجزائريين لكنه أعتقل ثانية سنة 1945 وبعد سنة اطلق سراحه .
الشيء الذي أريد أن أقف عنده أن الشيخ محمد البشير الإبراهيمي لم يكتف بالنضال داخل بلده الجزائر ، وانما حاول ان يفتح له مجالا في الدول العربية وجعل له هدفا وهو ان يعرف بقضية الجزائر والحصول على منح للطلبة الجزائريين في المعاهد والكليات والجامعات العربية لذلك بدأ بزارة البلدان العربية وزار مدينة الموصل التي كان يعرف اهميتها وتوجهها العروبي الاسلامي وكثيرا ما كان يحدثني اخي الأستاذ أحمد سامي الجلبي رئيس تحرير جريدة ( فتى العراق ) الموصلية عن الشيخ محمد البشير الابراهيمي ومما قاله انه عرفه وذهب مع والده صاحب جريدة فتى العراق الاستاذ ابراهيم الجلبي لزيارته عندما جاء الموصل في تموز سنة 1952 . وقد كتب الاستاذ أحمد سامي الجلبي عن انطباعاته عن الشيخ محمد البشير الابراهيمي وقال انه عندما زار الموصل نزل في دار السيد عبد الرحمن السيد محمود وهو من الرجالات الذين كان لهم دورهم السياسي والديني في الموصل انذاك وقال أنه استمع الى الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وهو يتحدث بلهجته الجزائرية وأنه أعجب به وأدرك انه يحمل علما وفيرا وإيمانا قويا بمستقبل بلده والزيارة الأولى هذه لم تدم طويلا فقد سافر إلى مصيف سرسنك في شمال العراق بعد بقائه يومين في الموصل .
قد يكون من المناسب ان اشير الى ان الشيخ محمد البشير الابراهيمي احب الموصل واعجب بالموصليين ، وثمن وعيهم العروبي الاسلامي ، وتمنى أن يكون بينهم على الدوام كما قال لولا ارتباطاته بقضايا بلده لذلك وعدهم بالعودة ثانية وبالفعل عاد ليزور الموصل أكثر من مرة ففي المرة الثانية جاء ممثلا عن لجنة تجمع التبرعات لثورة الجزائر ، وحضر اجتماعا كبيرا عقده الموصليون في الجامع النوري الكبير لهذا الغرض .
وفي مطلع سنة 1955 زار الموصل والتقى نخبها الدينية والثقافية وعندما غادرها جرى توديع حافل له في منطقة الكلك القى خلاله كلمة عبر فيها عن حبه العميق للموصل وتمنى البقاء فيها .
كما قلت كان الشيخ محمد البشير الإبراهيمي رئيسا لجمعية العلماء الجزائريين وكان يؤكد على أن العرب أضاعوا فلسطين بالكلام وجاء ذلك في خطاب القاه في جامع الإمام الأعظم اثناء حفل استقبال تم له في السابع من كانون الثاني سنة 1954 اقامته جمعية الاخوة الإسلامية ببغداد .
ان علاقة الشيخ محمد البشير الإبراهيمي بمدينة الموصل لم تنقطع ابدا ، وحتى وفاته رحمه الله سنة 1965 فقد كان يراسل عددا من اصدقاءه في الموصل وعندما توفي ابنته جريدة (فتى العرب ) الموصلية ومما جاء في العدد الصادر يوم 21 مايس –ايار سنة 1952 وتحت عنوان ( المجاهد الكبير الشيخ محمد البشير الإبراهيمي في ذمة الخلود ) :" حملت أنباء الجزائر خبر وفاة المجاهد الكبير الشيخ البشير الإبراهيمي رئيس رابطة العلماء في الجزائر والمجاهد المؤمن بدينه وعروبته والذي ساهم في معارك الجزائر بكل طاقته رغم شيخوخته فسجل أعظم المواقف الوطنية في محاربة الاستعمار والفقيد الكبير ليس غريبا على الموصل فقد زارها مرارا وكانت آخر زيارته لها سنة 1955 وسجل في نفوس الذين تشرفوا بمعرفته اكبر الذكريات واخلدها. ويتجلى اعجاب سماحته بالموصل وحبه اياها إلى حد انه وقف يخاطب مودعيه ليقول ( يا أهل الموصل : كنت اتمنى بصدق ان ياخذ الله امانته مني في مدينتكم لابقى فيها أبدا ) . وختمت الجريدة نعيها بالقول : ( ونحن الذين عرفنا الشيخ الإبراهيمي وقدرنا روح الكفاح عنده ، أفجعنا النعي وأذهلنا الا ان حكم الله وقضاؤه ولاراد لقضائه فالى جنان الخلد والرضوان وإنا لله وإنا إليه راجعون ) .رحم الله الشيخ محمد البشير الإبراهيمي وجزاه خيرا على ما قدم لوطنه وأمته. والصورة التي ترونها الى جانب هذا الكلام هي صورته أهداها للأستاذ ابراهيم الجلبي في 27 شوال 1371 هجرية الموافق ليوم 18 تموز – جويليه سنة 1952 ومما كتبه على الصورة ( تذكار للأخ الأستاذ إبراهيم الجلبي والتوقيع محمد البشير الإبراهيمي ) .
أ.د. ابراهيم خليل العلاف/ أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل