مؤلفون وكُتاب قرأت لهم واستفدت منهم: الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله (1873-1958)
بقلم: مسعود فلوسي-
عالم فذ وأديب كبير وشاعر مُجيد وصحافي لامع ورحالة جوال وإداري محنك، جزائري الأصل تونسي المولد مصري الإقامة والوفاة، تولى مشيخة الأزهر خلال (1952-1954).
هذا العالم الهُمام الذي ملأ الدنيا وشغل الناس في حياته بخطبه ودروسه ومحاضراته ومواقفه الشجاعة ومؤلفاته العلمية الرائدة ومقالاته المتميزة ومعاركه الأدبية الذائعة وتنقلاته ورحلاته المختلفة، لا يعرفه كثيرون من طلبة العلم في وطنه الأصل الجزائر ولا في موطن مولده تونس ولا في موطن إقامته مصر، ولا في غيرهما من البلاد العربية والإسلامية، ولم يطلعوا على آثاره العلمية والفكرية.
أول ما قرأتُ له، وكنت في المرحلة الثانوية، كتاب (القياس في اللغة العربية) الذي أعادت نشره المؤسسة الوطنية للكتاب في الجزائر سنة 1986م. وأول ما قرأتُ عنه، وأنا طالب في الجامعة، كتاب (محمد الخضر حسين: حياته وآثاره، 1873 م - 1958م) للباحث التونسي محمد مواعدة والذي أصدرته الدار التونسية للنشر سنة 1974م.
ثم أتيح لي بعد ذلك أن أطلع على بعض آثاره المتفرقة التي كان ينشرها في كتب مفردة على مدى سنوات عديدة ابنُ أخيه المحامي الأستاذ علي الرضا الحسيني المقيم في دمشق، هذه الكتب تم جمعها بعد ذلك في موسوعة أعمال كاملة من خمسة عشر مجلدا صدرت طبعتها الأولى عن دار النوادر في دمشق وبيروت سنة 1431هـ، 2010م.
هذه الموسوعة الكاملة لأعمال الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله، تعتبر مصدرا ثرا ومعينا غزيرا لمختلف فنون المعرفة اللغوية والشرعية والأدبية والتاريخية.
ففيها العلوم الشرعية من تفسير وفقه ودعوة وتربية، في مؤلفات عديدة تحمل عناوين "أسرار التنزيل" في التفسير، "بلاغة القرآن"، "دراسات في الشريعة الإسلامية"، "الشريعة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان"، "محاضرات إسلامية"، "الدعوة إلى الإصلاح"، "رسائل الإصلاح"، "الهداية الإسلامية".
وفيها السيرة النبوية الشريفة وتحليل أحداثها واستخلاص العبر والدروس منها، في كتاب "محمد رسول الله وخاتم النبيين صلى الله عليه وسلم".
وفيها الدفاع عن الإسلام ضد التيارات المعادية من إلحاد وبهائية وقاديانية وغيرها.
وفيها العلوم اللغوية، في دراسات من قبيل "القياس في اللغة العربية"، "دراسات في اللغة"، "دراسات في العربية وتاريخها".
وفيها الدراسات الأدبية، ومنها "الخيال في الشعر العربي".
وفيها الردود العلمية، مثل "نقض كتاب في الشعر الجاهلي لطه حسين"، و"نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم لعلي عبد الرازق".
وفيها القصائد الشعرية الماتعة، في "ديوان خواطر الحياة".
وفيها البحوث التاريخية والمواقف السياسية، كما في "تونس وجامع الزيتونة"، و"جبهة الدفاع عن إفريقيا الشمالية".
وفيها البحوث المتنوعة، والمذكرات والتجارب الشخصية، وتراجم علماء السلف، كما في "هدى ونور"، "مذكرات من أوراق الإمام"، "أحاديث في رحاب الأزهر"، "الرحلات"، "تراجم الرجال".
تراث علمي وأدبي وتاريخي وفكري زاخر، الأدب فيه علم والعلم فيه أدب، فالبحوث والدراسات العلمية صيغت في قالب أدبي مشوق جذاب وأسلوب رفيع يمتع العاطفة ويُروي الوجدان، والدراسات الأدبية صيغت بأسلوب علمي دقيق يُقنع العقل ويُثري المعرفة.
ولذلك، فقد اتخذتُ من هذه الموسوعة مصدرا أرجع إليه مرة بعد مرة لأزداد علما ومعرفة، وفي كل مرة أزداد إجلالا وإكبارا لهذا العالم الفذ الذي استطاع أن ينتج كل هذه الآثار العلمية والأدبية الفريدة على الرغم مما عاناه من متاعب وما واجهه من صعاب وما خاضه من معارك وما تولاه من مسؤوليات تنوء بحملها المؤسسات الكبيرة. كما أزداد تقديرا وإكبارا للجهد الضخم الذي بذله ابن أخيه الأستاذ علي الرضا الحسيني في تتبع هذه الآثار التي كانت متفرقة مشتتة وجمعها في موسوعة واحدة سهلة ميسورة.
يبقى على شبابنا وباحثينا وطالبي العلم والمعرفة عموما أن يتجهوا صوب هذه الموسوعة لينهلوا منها ما يُغني ثقافتهم ويُروي ظمأهم من علوم ومعارف شرعية ولغوية وأدبية وتاريخية، وهم واجدون فيها الكثير من ذلك.