ألفية البصائر ومستقبل الجزائر
بقلم: أ. د. عبد الرزاق قسوم-
إن البصائر هبة الله للجزائر، واكبت مختلف مراحل ثورتها، وأسهمت بالكلمة الطيبة في إيقاظ ضمير نهضتها، وكانت من بناة فلسفة المعنى، في صرح أمتها.
ولئن كبرت البصائر، وبلغ سنها ما يربو على الثمانين سنة، فإنها ما شاخت، ولا عجزت، بل إن الأيام والسنين لم تزدها إلاّ بهاء ونماء، وإشعاعا وإبداعا.
تبارك الذي وهب الجزائر جمعية العلماء، ووهب جمعية العلماء البصائر، المعلَم الإعلامي الجدير بالإقتداء، والاهتداء.
إن إرثا، هذه معالمه، وتراثا هذه كنوزه وعوالمه، لجدير بالأمة التي نبت فيها أن تحتضنه بالحب والوفاء، وأن تفرش له القلوب والأعضاء، وكل مقومات الإيواء.
لقد كانت” البصائر” شاهدة على كل التحديات، وفاعلة في صدِّ مختلف الهجمات والصدمات، فثبتت ” البصائر” واندحرت ضراتها، وبطل ما كان يعمل أعداؤها، وحاسدوها.
على أن هذه المنازلات التي خاضتها جمعية العلماء بريادة ” البصائر” قد ألقت على هذه المؤسسة المزيد من الواجبات نحو أمتها وحضارتها، وثقافتها، وهي إلى اليوم، لا تزال تخوض المعارك، ضد القاصي والداني، والمناور والعدواني.
ذلك -إذن- هو ثمن المسؤولية، وتلك هي ضريبة الشهرة والنجاح.
ولا يزال الدرب ملغما، ومجهولا، فالمتربصون بالجزائر، والمستهدفون لثقافتها، وأصالتها، كثر، فهم وإن تعددت أسماؤهم، وتنوعت أهواؤهم، فإنهم يلتقون على صعيد واحد، هو الكيد، والصيد للجزائر بكل الوسائل، حتى الصغيرة والحقيرة.
إن” البصائر” وقد قوي عودها، واشتد ساعدها وعمودها، وتعزز صمودها، لتنتظرها معارك كثيرة وخطيرة.
فالألغام التي زرعها الاستعمار في أشخاص عملائه وأذنابه، لا تزال تنفجر من حين لآخر في وجوه العاملين المخلصين، ممن صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فمنهم من قضى نحبه، ومنهم من ينتظر، وما بدلوا تبديلا.
وأول مظهر من مظاهر الألغام المزروعة هذا التلوث البيئوي، الذي ينفجر في وجه كل زائر لبلادنا، إنه القبح الثقافي اللغوي الذي يشوه المعالم، ويصدم الوطني والمقاوم.
هي إعاقة أصابتنا في ألسنتنا، فعطلتها، وفي محلاتنا فشوهتها، وفي أحاديثنا فرطنتها.
ومن الألغام، المزروعة -أيضا- التحريف الذي تسلل إلى منظوماتنا التربوية، فأفرغها من جوهر محتواها، وابتلاها بشر ما ابتلاها، تجريدها من التربية الإسلامية القويمة، ومن الحضارة العربية الإسلامية السليمة، ومن الثقافة التاريخية الصحيحة العليمة، فغدا أطفالنا دمى ذميمة، وعرضة لكل الآفات السقيمة.
وثالثة الأثافي، في الألغام الخطيرة، عصابة تتخذ الفساد بكل مفاهيمه، وتيرة لسوء المسيرة، فهي تلوي الأعناق، وتملأ الأشداق وتسرق الأرزاق، وتبث الشقاق والنفاق.
ولا تسل عن تفشي الرشوة، والمخدرات وباقي الآفات، فهذه كلها قد أصبحت من المسلمات، في مجتمع عربي مسلم، ما كان أبعده، عن هذه الموبقات، والمثبطات!
لهذه العوامل كلها، تتراءى أمامنا المعادلة الخطيرة، التي يجب على جمعية العلماء، وعلى البصائر، وكل وسائل الإعلام الشريفة أن تتصدى لها، بالحكمة، ولكن بالحزم والعزم أيضا.
نحن -إذن- مطالبون، بأن نعيد تصحيح المفاهيم، وتطهير التعاليم، وتحصين الذوات والأقاليم، ضد كل شيطان، وكل زنيم.
كما أننا مدعوون، إلى إعادة بناء منظومة الإنسان، بدءًا بخطابه الديني الأثيل الأصيل، ومرورا، بحضن الأسرة الدافئ النبيل، ووصولا، إلى إنقاذ فلسفة الحكم، من كل دجال ودخيل، يُتخذ سلّما، لتحطيم مجدنا الأصيل بكل ما هو داء عليل.
إن إحياء ذكرى الألفية من البصائر، لهو الذكرى التي يجب أن توقظنا من سباتنا لتبعثنا في رحلة جديدة نحو الحياة، في ظل ما عشناه، وما نعيشه من تحديات.
ولئن قام أسلافنا الأولون العلماء العاملون، المخلصون، بواجبهم الكامل رغم قلة الإمكانيات، وضخامة وخطورة التحديات، فليع خلفهم اليوم، بما يجب عليهم، من إعلاء البناء، وتشخيص الداء، وتقديم الناجع من الدواء، فنحن اليوم- والحمد لله، ننعم بقواعد ثقافية وعلمية متينة، ونتوفر على إمكانيات زاخرة بديلة، أفلا يجب علينا – والحالة هذه- أن نبذل الكثير من التضحيات فنطور الوسائل والأدوات، ونعي ما يملكه الجزائريون من الطاقات والكفاءات؟
إن احتفاءنا بألفية البصائر، لا ينبغي أن يقتصر على تبادل التهاني، و” التشكرات” بل علينا أن نضاعف من الجهد والجهاد، ونقدم المزيد من المد والإمداد، فنتزود بأفضل الزاد، ونقف بالمرصاد لكل ألوان الظلم والاستبداد.
إن من مظاهر الإيجاب في وطننا الجزائري اليوم، هو هذا الحراك الشعبي السلمي الحضاري، الذي سلم إلى اليوم والحمد لله من العنف والدماء، فغدا مثلا لكل الشعوب، جديرا بالإقتداء.
ولكن ما نهمس به، في آذان شباب الحراك وكهوله وشيوخه، نساء ورجالا، أن يصونوه، من كل أنواع الانحراف الإيديولوجي، والبيداغوجي، وأن ينأوا به عن كل اتجاه انفصالي أو انفعالي، فالحراك هو وجه الشعب، المطالب بالتغيير، وحسن تسيير المصير.
جدير بالمخلصين من الجزائريين والجزائريات أن يتيهوا فخرا بما أنتجته وتنتجه ” البصائر” لسان حال جمعية العلماء، فيعلقوا على جبين الصحيفة والجمعية، وسام حب، وتقدير، وإباء، وأن يحيطوها بالعون، والتأييد، وتقديم كل أنواع الدعم، ليتدعم عطاؤها، ويتعزز صوتها ونداؤها.
وسوف يعرف العقلاء، والعلماء، والأصلاء من الجزائريين والجزائريات قدر ” البصائر” عاجلا أو آجلا فالمؤسسات أعمال صادقة، وأقوال ناطقة، وفي الصباح يحمد القوم السُّرَى، وإن البقاء، سيكون -دوما- للأصلح.