"متن الجوهر المكنون في الثلاثة فنون" للشيخ عبد الرحمن الأخضري - دراسة وصفية

“متن الجوهر المكنون في الثلاثة فنون” للشيخ عبد الرحمن الأخضري – دراسة وصفية

بقلم: أحـمد حاجـي-

يهدف هذا العمل إلى وصف مخطوط يتعلق بعلوم البلاغة وعنوانه متن الجواهر المكنون في الثلاثة فنون، للشيخ عبد الرحمن الأخضري.

ولد الأخضري في بنطيوس، وهي قرية في نواحي بسكرة، وهنـاك نما وشـب، وأخذ العلم عن والده الذي كان  من علماء  عصره ,وطلب العلم  بتونس وأخذه على مشائخ جامع الزيتونة ؛ ويذهـب معظـم المؤرخين إلى أنـه عاش ثلاثا و ثلاثين سنة (920 هـ-953 هـ)، وجاء في مقالة للشيخ المهدي البوعبدلي نشرت بمجلة الأصالة يناير 1978 أن الأخضري عاش إلى سنة 981هـ استدلالا ببيت من نظم الأخضري.

في عام إحدى وثمانين سنه ... من بعد تسعمائة مستحسنة .

ويرى أبو القاسم سعد الله أن هذا الاستدلال ضعيف لأن البيت قد يكون فيه تصحيف من النساخ بقراءة (إحدى وثمانين بدل (إحدى و ثلاثين)).

وكان الشيخ عالماً يؤلف المتون و يشرحها ويجمع الكتب، ويجلس للدرس واستقر به الحال في زاوية بنطيوس في ضواحي مدينة بسكرة وأثر الأخضري بعلمه أكثر مما أثر بتصوفه، وتدرس كتبه في المشرق والمغرب، و توضع عليها الشروح والحواشي.

والمخطوط الذي بين أيدينا يتعلق بعلوم البلاغة ، و اقتصرنا في هذه الدراسة  على الجانب الشكلي وجانب المضمون.

ـ الجانب الشكلي : يقع المخطوط في ثماني عشرة صفحة، و هو عبارة عن أرجوزة في البلاغة كتب بخط مغربي، واضح مع وجود تسطير تحت بعض الكلمات.

ـ كتابة كلمة في آخر الصفحة للإحالة على تتابع الصفحات. وعددها بهذا الأسلوب ثمانية فقط.

ـ صنف الأخضري المخطوط إلى مقدمة ثم فنون البلاغـة، وهي مقسمـة إلى أبـواب وفصـول فخاتمة.

ـ وجود فواصل بين صدر البيت وعجزه.

ـ المضمون: ابتدأ الشيخ عبد الرحمن الأخضري متن الجوهر المكنون بالبسملة والصلاة على النبي ثم ذكر عنون هذا المخطوط.

وتضم الورقة الأولى سبع عشرة بيتا شعريا، وبدأها بحمد الله وذكر نعمه وشكره على ما أولاه للعلماء على شمس البيان، فأدركوا معجزات القرآن وما احتواه من أسرار، ثم يصلي على النبي ما ترنم حاد يسوق العيس إلى البقاع المقدسة، ويذكر الصحابة أهل التقوى والفضل، وفضل القرآن على من اعتكف على التدبر فيه ؛ ويبين الأخضري فضل معرفة علوم البلاغة من البيان والبديع   والمعاني، في علم أسرار اللسان العربي، ودرك ما اختصت به العربية من ميزات.

ويذكر عنوان هذا المؤلف فيقول:

سميته بالجوهر المكنون  *** في صدف الثلاثة فنون

ويشتمل المتن على:

المقدمة: وذكر فيها الشيخ الأخضري الفصاحة من فصاحة المفرد وفصاحة التركيب.

ويقسم فنون البلاغة إلى ثلاثة فنون:

1 ـ علم المعاني: يتضمن عدة أبواب. فالباب الأول في الإسناد الخبري. وعقد فيه فصلا للإسناد العقلي ؛ والباب الثاني في المسند إليه، وذكر فيه الحذف والذكر وأغراضها البلاغية، من التلذذ والتبرك والتعظيم والتشويق والتعجب والتهويل وغير ذلك، وأورد فصلا في الخروج عن مقتضى الظاهر وذكر الاعتبارات التي تدعو المتكلم إلى الخروج بالكلام عن مقتضى الظاهر.

والباب الثالث في حذف المسند وذكره وأغراضهما البلاغية، والرابع: في متعلقات الفعل وحذف المفعول لإفادة التعميم وتحقيق البيان مع الإيهام، وذكر في الباب الخامس القصر. ويعرفه بأنه تخصيص أمر بأمر، وهو قصر صفة على موصوف وقصر موصوف على صفة، وينقسم القصر إلى حقيقي وإضافي، وباعتبار حال المخاطب فهو قصر إفراد وقلب وتعيين، ويذكر في هذا الباب أيضا أدوات القصر، وأربع طرق يؤدي بها وهي النفي وإنما والعطف والتقديم.

ويشتمل الباب السادس على أساليب الإنشاء وهي الاستفهام والأمر والنهي والنداء، والسابع في الفصل والوصل، أما الباب الثامن وهو الأخير فيشتمل على الإيجاز والإطناب والمساواة.

2 ـ علم البيان: ويعرفه الأخضرى بأنه علم تأدية المعنى بطريق مختلفة ويتضمن البيان التشبيه والمجاز والكناية ؛ فالباب الأول في التشبيه: ويعرفه بأنه اشتراك أمرين في المعنى، ويذكر أركان التشبيه الأربعـة: أداة التشبيه، وطرفا التشبيه (المشبه والمشبه به) ووجه الشبه.

أما طرفا التشبيه فيكونا: حسيين أي ما يدركان بإحدى الحواس، أو عقليين: أي يدركان بالعقل لا بالحس، أو مختلفان إذ يكون أحدهما عقلي والأخر حسي، ويذكر في هذا الباب وجه الشبه وهو ما اشترك فيه المشبه والمشبه به تحقيقا أو تخيلا؛ والتحقيق أن يتقرر المعنى المشترك في كل من الطرفين على وجه التحقيق، أما التخييل فلا يمكن وجوده في المشبه إلا على سبيل التأويل والتخييل.

وعقد الشيخ الأخضري فصلا في أداة التشبيه وغايتـه وأقسامـه، مـن تشبيـه مرسـل ومؤكد ، ثم أغراضه من بيان حال المشبه وبيان مقداره، وبيان إمكان وجود المشبه، وتزين المشبه والترغيب فيه وتقبيحه أيضا وتقرير حاله ؛ ويذكر التشبيه المقلوب وباعتبار الطرفين ويقسمه إلى أربع (تركيبا وإفرادا)، وباعتبار الوجه فهو تمثيلي وغير تمثيلي والمفصل والمجمل والقريب والغريب.

والباب الثاني في الحقيقة والمجاز ويعرف الحقيقة ويقسم المجاز إلى مجاز عقلي وهو إسناد الفعل أو ما في معناه إلى غير ما هو له علاقة مع قرينة مانعة من إرادة الإسناد الحقيقي، ثم المجاز اللغوي ويقسمه إلى المرسل والاستعارة، ويوضح الأخضري المجاز المرسل وعلاقته فيذكر الجزئية والكلية والآلية والمحلية والحالية والسببية والمسببية واعتبار ما كان واعتبار ما يكون.

ويورد فصلا للاستعارة : وهي مجاز لغوي ويشير إلى الاستعارة التصريحية الأصلية والاستعارة المكنية، ومن ناحية التركيب والإفراد تنقسم  إلى مفردة وهي ما كان المستعار فيها لفظا مفردا كما هو الشأن في المكنية والتصريحية، وإلى مركبة وهي ما كان المستعار فيها تركيبا، ويسميها البلاغيون الاستعارة التمثيلية وهي تركيب استعمل في غير ما وضع له لعلاقة المشابهة مع قرينة مانعة من إرادة المعنى الأصلي ؛ ويقسم الاستعارة باعتبار لفظها إلى أصلية وتبعية، وباعتبار الملائم إلى مطلقة ومجردة ومرشحة ، ويرى أن أبلغ الاستعارات هي الاستعارة المرشحة.

وأورد فصلا في التحقيقية والعقلية. فقسم الاستعارة إلى تحقيقية وتخييلية، ومراده بالعقلية أي التحقيقية هي ما تحقق عقلا أو حسا، أما التخييلية فهي ما لم يتحقق لاحسا ولا عقلا، ثم أورد فصلا في الاستعارة المكنية وهي ما حذف فيها المشبه به أو المستعار له ورمز له بشيء من لوازمه. وأتبعه بفصل في تحسين الاستعارة ورأى أن جمال الاستعارة يتوقف على حسن وجه الشبه ؛ ثم فصلا في تركيب المجاز، وقسم المجاز المركب إلى قسمين : فالأول ما تقدم فيه الإسناد الخبري، والثاني ما استعمل فيما شبه بمعناه الأصلي، وكان وجه الشبه فيه هيئة منتزعة من متعدد ويسمى استعارة تمثيلية.

ـ وعقد الأخضري فصلا في تغير الإعراب؛ ويليه الباب الثالث في الكناية، وعرفها بأنها لفظ أطلق وأريد به لازم معناه مع جواز قصده ذلك المعنى، وذكر كناية الصفة وكناية الموصوف ثم الأغراض البلاغية للكناية؛ وعقد فصلا في مراتب المجاز والكنى.

3 ـ علم البديع : والضرب الأول المعنوي، فمن ألقابه المطابقة وتسمـى الطبـاق والتضـاد والتكافؤ، وهو الجمع بين متقابلين في الجملة سواء كان تقابل ضدّين أو نقيضين أو نوعين، والطباق نوعان : طباق الإيجاب وطباق السلب، ثم الموافقة وتسمى التناسب أو التوافق، ومراعاة النظير. وهو جمع أمر وما يناسبه لا بالتضاد نحو (الشَّمْسُ وَالقمرُ بِحُسْبان)، ثم العكس وهو أن يقدم في الكلام جزءا تم يؤخر، والتسهيم ويسمى الإرصاد وهو أن يجعل قبل العجز من الفقرة أو البيت ما يدل عليه إذا عرف الروي، ثم المشاكلة وهي ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه صحبته تحقيقا أو تقديرا، والمزاوجة أن يقارن بين معنيين في الشرط والجزاء، والمقابلة والتورية وتدعى الإيهام، ثم الجمع والتفريق والتقسيم، والجمع مع التفريق والجمع مع التقسيم والجمع مع التفريـق والتقسيـم ، ثم اللـف والنشـر والاستخـدام والتجريد ؛ والمبالغة وهي ثلاثة أقسام : التبليغ والإغراق والغلو ؛ ثم التفريع وحسن التعليل، ثم المذهب الكلامي وتأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح، ثم الاستتباع والتوجيه وقصد الجد بالهزل، وتجاهل العارف وسماه السّكّاكي سوق المعلوم مساق غيره، ثم القول بالموجب وبسط الكلام فيه والاطراد.

أما الضرب الثاني فهو اللفظي و يشمل الجناس ، فيعرفه بأن تجيء الكلمة تجانس أخرى باتحاد حروفها و نظامها، و ينقسـم إلى تام و غير تام ، فالتام أن يتفقا في أنواع الحروف و أعدادها وترتيبها، فإن كانا من نوع كاسمين سمّي متماثلا، ثم المستوفي و جناس التركيب، و إذا تفق المركب في لفظيه خطا سمي متشابها و إن لم يتفقا في الخط سمي مفروقا، و إن اختلفا في هيئات الحروف سمي محرفا، أما الجناس الناقص ما اختلف اللفظان فيه في أعداد الحروف إما بحرف واحد، أو في الوسط أو في الآخر يسمى المطرف، و إما بأكثر ويسمى مذيلا ثم المجنح ؛ وإذا اختلف اللفظان في ترتيب الحروف سمي جناس القلب، ومنه قلب كل وقلب بعض ؛ ومن أنواع الجناس أيضا جناس الإشارة وذلك بأن يكون أحد اللفظين غير مصرح به، ومن أنواع الجناس اللفظي رد العجز على الصدر فيأتي مكررا وملحقا ومتجانسا.

وعقد الأخضري فصلا في السجع وهو توافق الفاصلتين من النثر على حرف واحد و هذا ما قصده السّكّاكي بقوله : النثر كالقافية في الشعر، والسجع ثلاثة أضرب : المطرف والمرصع والمتوازي ؛ فالمطرف إن كان اللفظان مختلفين في الوزن، و المرصع ما استوت فواصله في الوزن والتقفية، و كان كل ما في إحدى الفقرتين أو جله من الألفاظ مثل ما يقابله من الأخرى، أما المتوازي فهو استواء الفاصلتين في اللفظ ولم توافق سائر ألفاظ أحدهما ولأجل ما يقابلها من أختها في الوزن والتقفية ؛ ويرى الشيخ الأخضري أن أبلغ السجع المستوي، و هو الذي تساوت فقراته في عدد كلماته و ما طالت فقرته ؛ و أورد فصلا في الموازنة، و هي تساوي الفاصلتين في الوزن دون التقفية، ومنها المماثلة وهي ما يكون في إحدى الفقرتين من الألفاظ مثل ما يقبله في الأخرى، و منها القلب، وهي أن يكون الكلام على ترتيب فيقرأ من آخره إلى أوله كما يجيء في أصل الكلام، و منها التشريع وهو بناء البيت على قافيتين يصح المعنى عند الوقوف على كل منها، ومنها لزوم مالا يلزم وهو أن يجيء قبل حرف الروي أو ما في معناه من الفاصلة ما ليس يلازم للسجع ؛ ثم ذكر السرقات وهي أن يأخذ الشاعر كلام شاعر تقدم عليه، واتفاق القائلين إن كان في الغرض على العموم كالوصف بالشجاعة والسخاء فلا يدعى سرقة، وأخذ اللفظ كله أو بعضه سمي انتحالا و نسخا وهو مذموم، وإذا بدل بالكلمات أو بعضها ما يرادفها فهو المرادف، و إن تضمن تغييرا لنظمه و أخذ بعض اللفظ سمي إغارة ومسخاً وإن أخذ المعنى وحده سمي إلماما و سلخا، ثم ذكر في هذا المتن التقسيم.

أما السرقة الخفية فالقسم الثاني فيها هي أن يغير المعنى بحيث لا يظهر بأنه مسروق إلا بعد تأمل، ومنه النقل والخلـط والقلـب والتشابـه ، ويلي السرقة الخفية الاقتباس وهو تضمن الكلام نثراً أو نظماً شيئا من القرآن أو الحديث الشريف، وهو ضربان محول وثابت المعاني، ويرى أن الاقتباس جائز لإقامة وزن وتغيير نذر الألفاظ لا معانيها ؛ وذكر الأخضري التضمين والحل والعقد، فالتضمين أن يورد الشاعر شيئا من شعر غيره مع التنبيه عليه، والعقد نظم النثر أما الحل فهو نثر النظم، ثم التلميح والإشارة إلى قصة أو شعر أو مثل من غير ذكره ؛ ثم تذنيب بألقاب من الفن : وهو جعل الشيء ذنابة للشيء وتكميلاً له، والألقاب هي الأسماء ومنها ما يرجع للضرب المعنوي من البديع ومنها ما يرجع للفظي ومنه التوشيع والترديد والترتيب والاختراع والتعديد، كما ذكر الأخضري التطريز والاستشهاد والائتلاف والاستطراد، وذكر الإحالة وهي قسمان خفيفة وجلية، والتلويح وهو الكناية البعيدة التي كثرت فيها الوسائط والتخييل ويسمى الإبهام وهو أقسام تسعة ؛ والفرصة والتسميط والتعليل ؛ والتحلية وهي عقد نثر القرآن أو الحديث بزيادة على ألفاظها، والتختم عقد قرآن أو حديث اشتملا على شيء من لفظهما، ثم التجريد والاستقلال والتهكم والتعريض والألغاز والتنزيل والتأنيس والإيماء ثم حسن التخلص.

وأورد الشيخ الأخضري فصلا فيما لا يعد كذبا، واشتمل على الإيهام وهو التورية، ومنه التهكم والمبالغة أو التغالي ما لم تكن محرمة أو كفراً.

واشتملت خاتمة هذا المتن على ما ينبغي للمتكلم أن يتأنق فيه لفتا لانتباه السامع واشتمل على حسن الابتداء ويسمى بالإلماع أو براعة الاستهلال، ومنها صنعه الانتقال من المطلع إلى المقصود وهو ثلاثة أقسام : التخلص والاقتضاب وهو فصل الخطاب والإدراف بمشعر تمام الكلام.

وختمها بالصلاة على النبي (صلى الله عليه و سلم) وعلى آله وأصحابه، ثم ذكر تاريخ كتابة هذا المتن وهو شهر ذي الحجة تتميم نصف عاشر القرون أي سنة تسعمائة و خمسين هجرية.

وحاولنا  وصف المخطوط شكلاً ومضموناً والتعريف بما جاء فيه من فنون البلاغة والمساهمة قدر المستطاع بنقص الغبار عن هذا  التراث البكر الذي يحتاج إلى كثير من العناية ومزيدا من التقصي والجهد الذي أحسب أن الكثيرين ممن تشبعوا بالعربية وتشبثوا بهويتهم وانتمائهم لازالوا يوقدون شمعة وينفضون الغبار عن هذا التراث البكر.


 

الهوامش

"متن الجوهر المكنون في الثلاثة فنون".للشيخ عبد الرحمن الأخضري.      (مخطوط.)

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.