الشيخ العلامة عبد المجيد حبة العقبي المغيري 1992 /1911م
بقلم: الحفناوي بن عامر غول-
يعتبر الشيخ عبد المجيد حبة بالإضافة الى كونه مربيا تخرج على يديه أعلام منطقة سوف وواد ريغ والزيبان وساهم في الحركة الإصلاحية والعلمية بمنطقة المغير، فهو الى جانب ذلك من العلماء الذين كان لهم بصمة في إبراز تراث وتاريخ المنطقة الصحراوية، حيث اخرج لنا طيلة حياته الممتدة بين كثبان مدينة المغير تآليف وتراجم نفض من خلالها غبار السنين العجاف على مشائخ وشخصيات مازالت الى غاية اليوم طي النسيان.
وعبر مسيرة حياته التي امتدت من 1911 م الى غاية رحيله اواخر سنة 1992. وقد ترجم الشيخ بن حبه- كما كان يطلق عليه – لنفسه ترجمة ذكر فيها انه ” كان من يسعى لاستنباط شيء من لا شيء فهو هذا الابن الأديب الشاب النجيبأحمد بن سايح الذي اقترح علي بإلحاح تسجيل كلمة عن حياتي التي أعتقد جازما دون تواضع أن ليس فيها ما يستحق التسجيل ولا فيها ما يذكر ويشكر أو يشكر فيذكر ،وإنما نزولا لاقتراح الأخ لحسن ظنه أقول إني –ولا أقول –أنا عبد المجيد بن محمد بن علي بن محمد الملقب حبة السلمي المغيري، ولدت بمدينة سيدي عقبة شهر ربيع الأول –مارس 1329هـ 1911م من أبوين مسلمين في أسرة تملك من العقار والحيوان ما جعلها تعتني بالفلاحة وتربية الحيوان ولم يعش لأبوي سواي” وهكذا عرف مرارة الوحدة فبدأت تتشكل شخصيته في مسقط راسه مدينة سيدي عقبة التي كانت منارة للعلم حيث يتواجد مسجد جامع الصحبي الجليل عقبة بن نافع العامر بذكر الله وتلاوة كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
نسبه وانتماؤه
رغم شح المعلومات التي تؤرخ له اللهم الا بعض المقالات المنشورة هنا وهناك ومصنفات تكاد تكون مخفية ، الا انه ترجم لنفسه و ذكر لنا نسبه واصله في قصيدة ( النسب) المتكونة من 42 بيتا حيث يقول :
الحمــــــــد لله وصلى الله *** على نبيه ومصطفـــــــــاه
تعلموا كي تصلوا الارحاما *** أنسابكم فكان ذا إلزامـــــــا
وانني إجابة للأمـــــــــــــر *** ورغبة التعريف لا الفخـــر
ضمنت هذا الرجز انتسابي *** للعرب الكريمة الأحســـاب
فمن سليم نسبي ممتـــد *** وقيس عيلان لهذا جــــــــد
الا ان يقول :
ومعظم الحضر والبـــوادي *** فمن سليم سكنوا بالــــوادي
حفيده الجد القريب النسبـة *** محمد عيسى ويدعى حبه
واشتهرت أسرتنا بذا اللقـب *** به دعانا من نآ ومن قــرب
وهاهو يرينا انتمائه إلى أسرة حبه من بني سليم ومنها أخذت هذا اللقب الى غاية اليوم. ثم ينقل لنا صورة ترعرعه ”وفي هذا الجو الأسري ولد الصبي عبد المجيد ففرحت به الأسرة أيم فرح ووفرت له الأسباب التي جعلته وحده يحظى بكامل عناية أبيه و أدخله الكتاب” وقد تعلم الشيخ بمسقط رأسه حيث التحق بالكتاب وعمره لا يتجاوز الثلاث سنوات ليتم ختم القرآن الكريم وهو ابن خمس عشرة سنة أي عام 1926 .ثم التحق بدروس بعض الأعلام وتعلم العربية والنحو والفقه ويضيف بالتعريف بنفسه يقول “.. فاختلف في حلقات العلم بمسجد عقبة بن نافع بلدته وكان ذلك مما أثلج صدر الوالد وهو يرى نجله الوحيد يثب من درجة إلى أخرى عل نهج العلم ليرتقي عبر دروبه إلى مرتبة الجلوس ين يدي كبار علماء القرية ينتفع بأخلاقهم و علمهم ،وإذا كان الوالد م تسعفه ظروفه الخاصة أن يأخذ حظه من نعمة اعلم فإن الولد كان على العكس من ذلك فقد وفرت له معظم الشروط اللازمة لينهل من معين المعرفة ما شاء وطاب …ولم يلبث التلميذ الصبي أن كبر وكبرت معه اهتماماته بهذا المسعى النبيل الذي فتح عينيه على أفق الحياة فوجد نفسه على دروبه وطفق يتذوق بعض ثمارها ويتشوف بعضها الآخر وهو يرتسم في صفحات الأفق من بعيد… فدفعه ذك إلى مضاعفة الجهد في طلب المزيد من مناهل العلم لإشباع نهمه من رياضه الخصبة اليانعة فعكف على ملازمة مجالس شيوخ قريته التي كانت مركز علم يتوافد على مجالس العلم بأروقة مسجدها العامر من جهات عديدة من البلاد..
رحلته من أجل طلب العلم
تاقت نفسه للرحيل إلىالأزهر والزيتونة ” ..ولكن ارتباطه بوالدته حال دون ذلكوقد نقل لنا الأستاذ عبد الله مرزوق صورة عن دعوته أمه له حيث يقول” ..لما يئست – والدته – من ذهابه قالت له برك بي وإحسانك لي سيجعلك إماما إنشاء الله وسيفتح الله عليك وسيأتيك العلم إلى قدميك..”. فانكب الولد عن المطالعة والمذاكرة وقراءة أمهات الكتب في مختلف التخصصات وخاصة كتب الفقه والسير والتراجم. وهو الذي عرف عنه سرعة الحفظ مع حبه للتعلم والعلم. ويقول عن نفسه ” وقد اعتمدت على المطالعة أكثر من الدراسة إلى سنة 1931 أين بدأت ادرس في سيدي عقبة كل يوم مايزيد عن خمسة دروس في النحو الأجرومية والقطر والفقه ابن عاشر والرسالة والمنطق الساغوجي والسلم والفرائض الرحبية والدرة البيضاء والتجويد الجزرية وكتب الحديث الموطأ والشامل وتجريد البخاري وسبل السلام..”. وباعتبار ان مسجد عقبة بن نافع: كان وقتها عبارة عن كلية تدرس كل العلوم الشرعية والادبية والعلوم الانسانية ” كما ذكر الدكتور زغيدي. وقد تتلمذ بالمسجد على مشائخ منهم الشيخ الصادق بلهادي الذي يقول عنه : ”وقد توالت مطالعاتي معه خاصة في كتب كثيرة ،واشهد الله أنه كان لصغري يعدني كأحد أبنائه عطفا وشفقة وفي الاحترام والتبجيل كأحد فلذاته..”حيث قرأ عليه الاجرومية متنا وشرحا . والشيخ محمد ابن الصالح بن منصور العقبي الملقب بـ (ابن دايخة ) ، وقرأ عليه التفسير ومختصر خليل ، والشيخ الابراهيمي البشير العقبي الذي قرأ عليه ألفية ابن مالك ولامية العرب وقطر الندى ورسالة البيان للدردير . ثم الشيخ الطيب بلحاج الذي قرأ عليه في مدينة بسكرة سنة 1924 بجامع ( بكار) وقرأ عليه تفسير الخازن . وفي نفس المدينة كان يحضر دروس الشيخ مختار اليعلاوي والشيخ الازهري حمزاوي وكان لا يفوت دروس الشيخ الطيب العقبي و الذي كان معجب به ويعتبره قدوة . كما كان لها مجالسات ومفاكهات مع الشيخ محمد العيد آل خليفة . ومنها يعود الى سيدي عقبة حيث دروس الشيخ الصادق بلهادي الذي ارتبط به كثيرا وتخرج على يديه حيث اجازه واذن له بالتدريس في الفقه والنحو والحديث .. وقد التحق كذلك بزاوية الشيخ الخنقي بمنطقة خنقة سيدي ناجي فتلقى بعض العلوم عن مشائخها .كما اخذ عن الشيخ الطاهر بن العبيدي السوفيالتقرتي الذي كان يزوره باستمرار في تقرت وربطمعه صداقة اثمرت مراسلات ومكاتبات وقصائد ومساجلات عبارة عن فتاوي في مواضيع فقهية مختلفة.
ثم جاءت مرحلة التدريس والإفتاء حيث اشتهر في تلك المناطق وأصبح يلقب بـ ” شيخ علماء الزيبان،قطبالزيبان ومفتي الصحراء،خزانة علم تمشي في الشوارع،العلامة المغمور،دائرة معارف تمشي في الأسواق ،الرجل العصامي..” .وكلها صفات لم تفيه حقه او تعرب عن مكانته كعالم وشخصية كانت لها بصمات في نشر العلم وإصلاح ذات البين بين اعراش الزيبان والاوراس ومنطقة وادي ريغ والصحراء . حيث بدأ التدريس بمسجد عقبة بن نافع ولم يبلغ سن الخامسة والعشرون وكان الى جانب شيخه الصادق بلهادي. .ويقول في ذلك ” وقد عزم علي(شيخه بلهادي)أن أعلم لأتمرن على الدرس ،فشرعت في التعليم وبحضوره أحيانا قبل بلوغ الخامسة والعشرين من عمري ،وكم يتهلل وجهه إذا أعجبه تعبيري ،بل كان إذا سئل وأنا معه يحيل الجواب علي ،وأغرب من هذا أنني كلما استعرت منه كتابا ثم رددته له ولم ير قلمي فيه يقول :لعلك لم تقرأه أو قرأته ولم تفهمه ،وأنا أحب أن تصلح ما فيه من خطأ مطبعي أو ترد على المؤلف ما أخطأ فيه ،حتى نعرف مدى إدراكك ومنتهى عقلك وكم مرة يلزمني أن أخلفه في خطبته في بعض الجمع فأأبى احتراما له فجزاه الله عني الجزاء الأوفى” وكان في كل جمعة يغير مسجدا لطلب العامة حيث يلقي الدروس والخطب وازداد الناس تعلقا به وكانوا يجلونه ويكرمونه . وكان يدرس الموطأ للإمام مالك والرسالة لابن أبي زيد القيرواني ..و” تفسير القرآن كله وكذا الموطأ بشرح السيوطي وشمائل الترمذي بشرح الياجوري و سبل السلام للصنعاني ورياض الصالحين و موعظة المؤمنين للقاسمي والأنوار المحمدية للنبهاني و الروضة الندية للقاواقجي ..” كما درس لخاصة طلبته لامية الأفعال ولامية العرب والمعلقات العشر والقصائد الطوال . وكان في دروسه ايام الجمعة والاعياد والمناسبات يحذرالناس من الشرك والبدع ومن اهل البدع وانحرافات رجال الدروشة و الطرقية ومن تعظيم القبور . ويحثهم على اتباع سنة المصطفى صلى الله عليه وسلم .
ويقال انه ختم تفسير القرآن الكريم للعامة بين 1945 و 1952تاريخ التحاق عائلته بمنطقة المغير وقد نزل في بيوت اعيان المنطقة لما سمعه عن علمه ومكانته ورحبوا به واحسنوا اليه والى والده خاصة الحاج احمد طلحة و الحاج مقدم براشد . وقد وجد منطقة المغير حاضرة علم حيث نشات بها حركة اصلاحية وعلمية يقودها الشيخ علي بن خليل والمعروف بتشدده وتصديه للبدع والخرافات . والشيخ لخضر ثابت الملقب بـ(أبوالبنات) الذي كان له الفضل في تعليم بنات المغير وحفظهن لكتاب الله . ثم فتحت مدرسة النجاح التابعة لجمعية العلماء المسلمين التي كان يدرس بها كذلك الشيخ لعروسي لحويتي. وقد عين على تسييرها والإشراف عليها والتدريس بها الشيخ محمد بن عبد الرحمن الرايس المسعديهذا الأخير الذي قرظ كتب الشيخ عبد المجيد ومدحه في بعض القصائد نفردها في نهاية الدراسة بعد التطرق الى المؤلفات والرسائل التي ترك العلامة الشيخ عبد المجيد .
نشاطه السياسي وأعماله أثناء الثورة التحريرية
وقبل ذلك يجب التطرق لحياة الشيخ السياسية حيث كان ميالا للحركة الإصلاحية كما كان متعاطفا مع حركة الانتصار للحريات الديمقراطية وكانت لها صداقة ومحبة مع امين الحركة بالمغير الذي لم يكن سوى صديقه الشيخ لخضر بن ثابت امام المسجد العتيق بالمغير الذي رحل وقال فيه الشيخ حبة قصيدة تأبينية يقول فيها :
ألفنا به الاحداث لما تواتـــر *** تعلينا فلم نجزع ولم نتضجــر
ولكن هذا الرزء افضع وقعـة *** فاحشاؤنا من وقعه في تسعر
فأعضل به من حادث كاد خطبـه *** يعفو على ارزاء جملة اعصر
غداة نعى الناعون من كان للنـدى *** وللعلم والارشاد اقرب مصـدر
همم له في الصالحات سوابـق *** وفي بيته الاصلاح اربح متجـر
اياديه للعارفين بيض كوجه *** هومن عجب ان راح يدعى باخضر
لقد كان ثابتا راسخ الدين حجة *** يسمو المعالي غالية فيشتـري
عزيز علينا نعيه يوم موته *** فما أهله عن ذاك منا بأجدر
وفي أثناء الثورة التحريرية المباركة كان منزله ماوى للمجاهدين وقد اتصلت به بعض من القيادات وكان ينسق بين المجاهدين والمسبلين وترأس خلية جبهة التحرير الوطني حيث كان في استقبال سي العياشي وهو اول مبعوث للثورة بالمنطقة ويقال بأن العقيد الحواس لما حل بالمنطقة سنة 1956 نزل في بيت الشيخ ايام ومنها بدأت الخلية تنشط في منطقة وادي ريغ برمتها وتكونت اللجان الثورية تحت اشراف العقيد الحواس ونصبت لجنتها في بيت الشيخ برئاسة قانة مصرلي ثم مالبث ان تنازل عن رئاستها للشيخ عبد المجيد .ومن هنا بدات السلطات الاستعمارية في مضايقته مما جعله يترك المنطقة ويرحل متخفيا الا ان اصدرت امرا بالبحث عنه مما جعله يلجا الى منطقة اولاد جلال متخفيا ثم يهرب بعدها الى العاصمة متخفيا تحت اسم مستعار وكان كثير التردد على مسجد كتشاوة متخذا ركنا بإحدى زوايا فندق بسيط الذي حوله الى قاعة للدروس والتحريض ضد المستعمر الفرنسي .ومنها تم ايقافة في نهاية سنة 1960 حيث حول الى السجن ليمكث فيه ايام ثم يطلق سراحه . وبقي هناك الى غاية شهر أفريل 1962 .
العودة الى مسقط رأسه وتصدره للتدريس والخطابة
ليعود الى سيدي عقبة مدة ثمانية أشهر ثم يلتحق بالمغير حيث استقبل استقبال الإبطال وخرج الناس في الترحيب به وعاد الى المساجد والمدارس مدرسا وخطيبا واماما ومفتيا فكان يقسم وقته مناصفة بين المسجد العتيق ومسجد السوق. وبعد الاستقلال حاولت وزارة الشؤون الدينية تعيينه بالعاصمة مدرسا وخطيبا الا انه اعتذر وبقي في المغير مؤدي لرسالته .
كما كانت له رحلات منها رحلته حاجا مرتين، وكان إقامته الدائمة عند الشيخ أبو بكر جابر الجزائري ويحضر دروسه ويفتي في حضرته. كما كانت له زيارات شملت مناطق جامعة و المرارة و تمرنة و الشوشة ومسقط رأسه سيدي عقبة وتقرت والطيبات وحجيلة ومسعد وجلفة والاغواط وأولاد جلال وسيدي خالد والدوسنوطولقة وسيدي خليل وبوسعادة والكثير من الجهات .وكانت كلها رحلات علم حيث يفيد بدروسه ويستفيد من اعلام تلك المناطق بالإضافة الى فك بعض النزاعات الحاصلة بين أعراشها.كما كان يزوره بعض الاعلام ومنهم الشيخ محمد بن عبد الرحمن الرايس ، والشيخ جمال عزون والشيخ لزهر سنيقرة .و الشيخ عبد الرحمان الجيلالي عندما زار المغير وحضرتدشين المسجد العتيق بعد ترميمه و” سأله بعض الحاضرين بعض الأسئلة قال لا يفتى و عبد المجيد في المغير كما أثنى عليه الشيخ عبد القادر الياجوري عضو جمعية العلماء المسلمين عندما زار المغير بدعوة من الشيخ عثمان بوزقاق وعبد الرزاق قسوم لأنهما كانا يدرسان عنده في قسنطينة فأثنى على الشيخ ونزل عنده في بيته ” كما زاره ابو القاسم سعداللهوالمهدي البوعبدلي. وكانت له صداقات معمشائخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ومنهم الشيخ عبد الحميد بن باديس وقد زاره البشير الإبراهيمي و محمد خير الدين و الطيب العقبي ونعيم النعيمي . كما رثاه صديقه الشاعر محمد العيد آل خليفة بقصيدة بعد رحيله جاء فيها :
قل للفتى عبد المجيـــد أقرنا *** عيــنا أداؤك واجبا مهــــجورا
لله درك بـــاحثا متــــــحريا *** في بحثه ومؤرخا مــــــبرورا
ألفت أطراف البحوث كأنما *** في السلك تنضم لؤلؤا منثورا
وجمعت من أبناء عقبة باقة *** نضراء عابقة ترف زهـــورا
قدمتـــها للشعب منك هديــة *** حسنى فكاد بها يطير سـرورا
فعليك منه تحيـــة مرفـــوقة *** بالشكر ما تلت الدهورا دهورا
وقد توفاه الله يوم السبت 21 ربيع الأول 1413هـ الموافق لـ 19 سبتمبر 1992 م ودفن مدينة المغير، وكانت جنازة كبيرة حضرها محبوه من كل مناطق الوطن .
أثار الشيخ ومؤلفاته وحديث عن مكتبته
ترك الشيخ مكتبة زاخرة بأمهات الكتب والمؤلفات والمصنفات اذ كانت هوايته المفضلة المطالعة وهي من صقلت شخصيته وزادت من معارفه حيث كان شغوفا بالكتاب والقراءة .وقد ذكر عنه حبه للطرافة والنكت ومن بين ما اشتهر به فتواه في سرقة الكتب حيث يقول لطلابه ” من أراد أن يسرق كتابا فليفعل فإن سرقة الكتب الشرعية جائزة” كان لا يسمع عن كتاب صدر الا ويشتريه. وتحوي مكتبته جميع الفنون والفقه واللغة وفي الأنساب والتراجم وفي التاريخ وغيرها من فنون العلم الشرعي يقول عنها عبد الله مرزوق”.. لما دخلت مكتبته لفت انتباهي بعض الكتب التي طبعت حديثا أي قبل موته بقليل فسألت الشيخ عثمان بوزقاق فقال لي أن المكتبة كما هي لم يضف إليها شيء فهذه الكتب مما اشتراه الشيخ قبل موته فهذه يدل أن الشيخ كان يتتبع كل جديد في عالم المكتبات ..” ومما ذكره عنه الأستاذ محمد بن سمينه في مقال عن الشيخ متحدثا عن مكتبته قوله ” .. كان الشيخ قد استغرق معظم بل جميع مراحل عمره في الاعتكاف على الحث والقراءة ،وكان الكتاب أنيسه أينما حل وأينما ارتحل… وما كنت تلقاه حيث تلقاه إلا والكتاب بيمينه فقد كان من أبرز المترددين على دور الكتب والملازمين لها فأنت إن سألت في إقامته وجدته في غرفة مكتبته ، وإن بحثت عنه في خارج منزله فإنك واجده بإحدى مكتبات المدينة وقد كان له في كل بلدة استقر بها أو حام حولها صلة بواحدة أو اثنتين من مكتباتها” ويؤكد الأستاذ مرزوق ” ..فرغم أن الاستعمار الفرنسي الغاشم قد أحرق مكتبته التي كانت تعج بالكتب والمخطوطات وهذا سنة 1957 م إلا أن الشيخ ترك مكتبة ضخمة جمعها طيلة سنوات طلبه للعلم ضمت مجموعة ضخمة من المخطوطات النادرة والكتب القيمة التي يحتاجها طالب العلم والعامي في مختلف أنواع العلوم..هذه المكتبة الضخمة تركها الشيخ وقفا لله جل وعلا و أوصى أن يسمح لكل من يريد دخولها والاستفادة منها . لكن بعد أن فقدت بعض المخطوطات والكتب اضطر أحفاده أن ينظموا أوقات الزيارة مع بعض المراقبة لكل من يدخلها وقد بوبها ونظمها حفيده البار عبد الوهاب ليسهل الانتفاع بها .. ” مضيفا ” ومما يؤاخذ على شيخنا رحمه أنه لم يسعى في طبع هذه لمخطوطات رغم أن فترة السبعينات والثمانينات شهدت نهضة كبيرة في ميدان الطبع فلا تزال هذه الكتب القيمة الفريدة في موضوعها مخطوطات أغلبها لم يطبع و بعضها الآن عند ولده البار عقبة وكثير منها فقد وقد عرضت يوم وفاته فبلغت 400 مخطوط..”
إضافة لكل هذا ولان الشيخ عبد المجيد حبة برز في علم الأنساب والتراجم وعده الدكتور محمد لحسن زغيدي ” فقيه ومفتي ومفسر ومؤرخ واديب وشاعر ” . قال عنه شاعر الجزائر محمد العيد خليفة : ” وإني أشهد أنه عالم عامل مصلح .. فهو جدير بأن يعتبر من الأساتذة الأكفاء علما و عملا وإصلاحا “.و قال فيه الأستاذ أحمد بن السايح : ” فهو مؤرخ مع المؤرخين ..وهو أصولي نظار يستفتى في النوازل و هو صاحب باع واسع في علم التفسير، عالم بأصول القراءات وله تواليف عديدة في مصطلح الحديث “. وقد ترك العديد من المؤلفات القيمة لم تطبع في حياته. وأول ماكتب الشيخ مؤلف يؤرخ ويكد نبوة خالد بن سنان بعنوان ” قيد الأوابد بحياة خالد” . ثم رسالة بعنوان ” القصاصة في جمع أشتات صحابة الخلاصة ” ثم رسالة “تذكرة أولي الألباب ( أو الطلاب ) بملخص تاريخ بسكرة والزاب” وكتاب “إسعاف السائل برؤوس المسائل” . و” تجريد تخريج الأحياء عن الإحياء”وهو تخريج لأحاديث علوم الدين للحافظ العراقي وعدد أحاديثه بإحصاء الشيخ بلغت 4593 حديثا ، ورسالة في نسب وترجمة الصحابي الجليل بعنوان ”عقبة بن نافع القائد المظفر”. ثم ماذكره عبد الله مرزوق ونسب إليه من مؤلفات منها “الهمة في ما ورد في العمة” ( أي العمامة ).و” أعلام منطقة الزيبان” ضم 26 ترجمة لبعض علماء بسكرة طبع في إطار جمعية أضواء بسكرة وتم توزيع أكثر من 1000 نسخة منها في 24 صفحة و “الإعلام بما اتفق عليه الستة الأعلام من الأحاديث والأحكام”وهو كتاب في الفقه . و“تجريد المجلى من المحلى ”وهما كتابان للعلامة ابن حزم الظاهري رحمه الله .و ” مسند أبي هريرة ” جمع فيه مرويات أبي هريرة رضي الله عنه لكنه لم يكمله .ورسالة “كلمات وجيزة عن بعض ما جاء في الأرجوزة”وتحوي 07 صفحات من القطع الكبير وهي شرح لأرجوزته المسماة”حصول الرغبة في رفع النسبة”وتشمل42 بيتا. واخيرا تصنيفة الموسوم بـ” قصة الاشتراكية” وهو نقد للفكر الماركسي بعد تبني الدولة للفكر والخيار الاشتراكي . كما ترك العديد من المحاضرات والتقييدات مختلفة العناوين .
الشيخ عبد المجيد شاعرا
ترك الشيخ العديد من القصائد جمعت في ديوان من طرف فوزي مصمودي و عبد الحليم صيد واشرفا على طبعه ضمن منشورات جمعية أضواء بسكرة سنة 1997 . ونذكر منها قصيدة ( سوق الخريف ) التي قالها سنة 1948 نقتطف منها الأبيات التالية :
سوق حكت ما مضى في سالف الحقب*** فبينها وعكــــاظ اقــــرب النسـب
كل مباع بها يمسي مبيعا فمـــــــــــا *** ترى كسادا لغير العــــلم و الأدب
وذاك أن عكاظا قد حوى عربــــــــــــا *** بدون عجم وذى عجما بلا عــرب
فعربها استعجموا وما ببربرهــــــــــــا *** من همه أن يقيم المنطق العربـــي
لكنها الأمتان قد تــــــــــــــــــــــواردتا *** على خلال بهم أفضت إلى الشهب
أليس قحطان من مازيغ كان أخـــــــــا *** نمـــاهمــا حضــــــن أم بره و أب
وإنما المجد شيء حاز معظمـــــــــــــه *** عرب وبـربر قـدما دون ما كـذب
حدث عن الأمتين نجدة ووفـــــــــــــــا *** وحســـن عهد وإحســانا لمغــترب
خلال فضل لهم لأجلها امتزجـــــوا في *** الدين في العرف في الأوطان في الكتب
سل عن صنائعهم أعلاج أنــــــــــدلس *** وسائل الـــــروم عن أيامهم تجـب
فقل لأقزام هود لا لعالكــــــــــــــــــــم *** وجــاد أرضــكم جـــود من الكرب
ويل أمكم تطمعون أن تلين لكم أســـــد *** الشرى إن هذا منتهى العجــــــــب
متى رأى الناس صقرا صاده نغــــــــرف *** ترتجوا أن تفيئوا اليوم بالغلــــب
تالله إن بلاد القدس قدسهـــــــــــــــــــا *** من اليهود وبـاؤوا منه بالغضــــب
فجمهم سيرى لا شك منكســـــــــــــرا *** ما بين مستسلم منهم وذي عطـــب
أما فلسطين لا كان اليهود فلــــــــــــنتنـفـك *** محمية بنــــــا مـن الـنـــوب
وللشيخ عبد المجيد حبة قصيدة يرثي فيها خالد مختاري شيخ الزاوية المختارية ببلدة أولاد جلال المتوفى سنة 1985 :
لو عاش أهل الندى في هذه الدار *** لكان من بينهم حفيد مختاري
من ذكر أفضاله لدى معارفه *** مثل اسمه خالد حديث أسماري
لكنما الموت لا يبقي على أحد *** فلا بـقاء لغـير الـواحـد الـبـاري
تقارير كتبه ومؤلفاته
وللشيخ محمد بن عبد الرحمن الرايس عضو جمعية العلماء والمدرس والمدير بالمغير ، قصيدة جميلة في تقريظ كتاب (قيد الأوابد من حياة خالد) من تأليف الشيخ عبد المجيد بن حبة :
سلام كزهر الرياض شــــــــــــذاو *** لطفا كمثل نسيم الصبــــــا
و كالورد و النرجس الغض حسنا *** اذا ما بأعينه قد رنــــــــــــــا
تسير به نسمات البكـــــــــــــــــور *** الى العالم الفاضل المرتضى
أخي المجد و النبل عبد المجيــــــد *** ربيب السماح ورب النــــدى
وبحر العلوم الذي مــــــــــــــــاؤه *** زلال نمير يزل الصــــــدى
وروض المعارف قد جــــــــــــاده *** غمام فأصبح داني الجنـــي
تحية خل براه الجـــــــــــــــــــوى *** و أنحله الشــوق حتى ذوى
وحل به رمد غائـــــــــــــــــــــــر *** تسبب فيه سقوط قـــــــــذى
فغشت على العين منه الدمــــــوع *** فأصبح من حرها لا يــــرى
و قرحت الجفن حتى غـــــــــــــدا *** أليف السهاد حليف الضــنى
فأضحى زينا كيعقوب لمــــــــــــا *** نأى عنه يوسف يشكو الجوى
و أقعد ذاك عن واجبـــــــــــــــات *** تضيق بتعدادهن الحصــــى
ومنهن بعث الكتاب الـــــــــــــذي *** حوى من نفائسكم ما حــوى
كتاب أبان حياة عظيـــــــــــــــــم *** كنار على علم في الدجـــــى
هو القرم عقبة فخر الجزائـــــــــــر *** من قد تسامت به للعــلا
وبحث طريف نفيس بـــــــــــــــه *** كشفت عن ابن سنان الغطـــا
جمعت من أخباره جملــــــــــــــة *** و محصتها بالذكا و الحجــــا
وأثبت فيه نبوءتــــــــــــــــــــــه *** و فندت كل خلاف جـــــــرى
وهذا هو الحق ليس عليـــــــــــه *** الألتباس و لا يعتريه امتــــرا
أعبد المجيد جزاك المهيـــــــــــن *** عنا بصنعك خير الجـــــــــزا
ولا زلت في العلم و الفضـــــــــل *** و المكارم ترقى أعالي الذرى
وللشيح الرايس كذلك،تقريظ لكتاب الشيخ حبة في “تاريخ عقبة بن نافع رضي الله عنه” .حيث يقول:
كم جسد تحت الثرى ناخــــــــر *** في ذكره العبرة للاخـــــــــــر
قد طويت اخباره وعفـــــــــــت *** اثاره عن كل ناظـــــــــــــــــر
او فرقت في الكتب اخبـــــــاره *** لم يلف من السفر لها حاصــــل
و اعرض الكتاب عن ذكر مـــا *** كان له من عمل باهــــــــــــــر
فظل نسيا ليس يعلم مــــــــــــــا *** خفي من تاريخه الفاخـــــــــــر
ك عقبة القرم مبيد العــــــــــــدا *** يوم النزال القائد الظافـــــــــــر
الباذل النفس النفيســـــــــــــــــة *** في نصرة دين الخالق القـــــادر
فاجتثت اهل الكفر و الشرك منا *** فريقا بسيفه الباتـــــــــــــــــــر
واصبح الاسلام من شرقــــــــها *** دينا الى المحيط الزاخــــــــــــر
فلتفتخر ارض الجزائــــــــــر اذ *** ضمت رفات جسمه الطاهــــــر
حتى انبرى من بيننا فاضــــــــل *** ذو غيرة يخشى على الداثـــــــر
يدري بان ذكر من قد مضــــــىفيه *** نهوض جيلنا الحاضــــــــر
فاستخرج المكنون من ســـــــره *** وابرز المستور للظاهــــــــــــر
اعني به الفذ الذي اعربــــــــــت *** اعماله من فضله الباهـــــــــــر
عبد المجيد العالم المرتضـــــــى *** سامي الثنا ذو الادب النــــــادر
قد فك من اخبار عقبة مـــــــــــاظل *** رهين الزمن الغابــــــــــــر
واستاقها للناس مجلـــــــــــــــوة *** تهدى الى القارئ و الناظـــــــر
في رونق من حسن سبك بـــــــه *** تحلو لدى الكاتب الشاعـــــــــر
اعطى بها خير مثـــــــــــــال به *** ذكر لشعب خائف حائــــــــــــر
يريد ان يحيا بلا موتـــــــــــــــه *** ويجبر الكسر بلا جابـــــــــــــر
ويرجع المجد ولكن بــــــــــــــلا *** سعي لرد مجده الداثــــــــــــــر
يا ايها الشعب اقتبس مثــــــــــلا *** من السير الماضين للحاضـــــر
صدقا واخلاص و تضحيـــــــة *** فهي اساس العمل الثامـــــــــــــر
لا تغتر بالقول فهو ســــــــــــراب *** القاع كم قد غر من سائــــــر
واسع بجد للعلا وابتعــــــــــــــد *** عن نهج كل خائن ماكــــــــــــر
واشكر لمن اسدى جميـــــلا ولا *** تكفره شان الملحد الفاجــــــــــر
عبد المجيد اسلم ودم ناشـــــــرا *** ماثرا لم تلق من ناشـــــــــــــــر
سددت في تاريخنا ثلمـــــــــــــة *** كانت محل السخر للساخــــــــر
لازلت فينا منهلا صافيـــــــــــا *** تسقي النهى من علمك الوافـــــر
ولا برحت الدهــــــــر تنعم فيروض *** العلوم و الوارق الناضـر
قد صدق القائل في قولــــــــــه *** كم ترك الأول للآخــــــــــــــــــر
للموضوع / مراجع ومصادر