فكر مالك بن نبي الذي نسيناه

بقلم: بشير مصيطفى-

احتفلت جل المكتبات العالمية ومنتديات التفكير بالذكرى الـ45 لوفاة رائد التفكير المبني على شروط النهضة والتطور المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمة الله عليه الموافق لـ31 أكتوبر 2018، لكن في الجزائر مرت الذكرى دون أن يلتفت إليها غير القلة من النخبة، وحتى بالمعرض الدولي للكتاب (سيلا 2018) ظلت مؤلفات بن نبي منظمة على رفوف عديد دور النشر ولا يدري أحدٌ كم قارئ اقتناها؟

أذكر أنني سابقا كنا نبحث عن مؤلفات بن نبي المترجمة فلا نكاد نعثر عنها كما أذكر أننا كنا في يوم ما نعيد استنساخ كتب الرجل كما تُستنسخ المطبوعات الجامعية.

وتتزامن الذكرى الـ45 لوفاة بن نبي مع استعداد مبادرة صناعة الغد في الجزائر لإطلاق نقاش أكاديمي واسع حول مستقبل المنظومة التربوية خلال الشهر الجاري كتعبير من المبادرة عن استشراف غد المدرسة الجزائرية في ظل التحوُّلات التي تشهدها نظم التعليم ومنها تلك النظم الموجهة إلى الدول المتأخرة على سلم النمو واستباقا لفكرة القرن القادم أي الفكرة الثقافية. تحولاتٌ مطلوب استراتيجيا وفنيا متابعتها ورصدها ونقدها والإفادة منها بسبب وصول حلول التنمية التقليدية الى حدودها من جهة وتراجع القيم الحضارية وعلى رأسها قيمتا العلم والمعرفة من جهة ثانية. فماذا كتب مالك بن نبي عن التعليم؟ وهل يمكن الاستفادة من رؤيته في إعادة توجيه جيل الاصلاحات في المدرسة في الجزائر نحو أفق أكثر نجاعة وتطورا؟

سؤال التعليم في الجزائر

تواجه الجزائر مشكلة حقيقية في قطاع التعليم بكل أطواره – بما في ذلك التعليم العالي- تتمثل في انعدام التوازن بين مدخلات العملية التعليمية من جهة ومخرجاتها من جهة ثانية فيما له علاقة بسوق الشغل والأداء الاقتصادي ومردودية المؤسسة المنتِجة للثروة وتراكم رأس المال البشري، ما يعني هشاشة سياسات التكوين ويدعو الى تصميم رؤية استشرافية جديدة لإدارة العملية التربوية برمَّتها مبنية على تطبيقات اليقظة الاستراتيجية واعتبار هذه المشكلة موضوعا علميا يجب دراسته.
ويمكننا الاستدلال على هذا الوضع باستعراض المؤشرات الخاصة بموضوعات جودة التعليم والبحث التعليمي مثل الترتيب الدولي على سلم جودة التعليم الشاملة، مستوى النمو الاقتصادي في القطاعات ذات العلاقة القوية بالرأسمال البشري والتعليم، حجم البطالة في أوساط خريجي منظومة التعليم وتطوره في الزمن، وأخيرا مستوى البحث التعليمي الذي من شأنه مواكبة السرعات العالمية في الابتكار.

نطاق المستقبل

وفي نطاق المستقبل، يشكل الطلب الكلي على التعليم تحت ضغط الزيادة السكانية قيدا آخر على السياسات الحالية في هذا القطاع ما يعني أن المفارقة بين المدخلات الكمية والمالية والمادية والبشرية من جهة ومخرجات التعليم آفاق العام 2030 من جهة ثانية ستتفاقم أكثر فأكثر في غياب رؤية متطورة للإصلاح.

هناك أربع إشكاليات تواجهنا فيما له علاقة بسؤال النهضة المبنية على المعرفة والذي جرَّ المفكر مالك بن نبي الى التفكير في مشكلات الأمة الأساسية وهي: الطلب الكلي المتزايد على خدمة التعليم، غياب التنوع في نسيج مؤسسات التعليم، ضعف الانسجام بين محتوى التعليم وأهداف التنمية الاقتصادية وتوازن الأسواق، وأخيرا ضعف المحتوى البحثي والابتكار في منظومتنا التربوية. إشكاليات حقيقية تتطلب الإسراع في تصميم السياسات المواتية لتحقيق التنوع المطلوب في خدمة التعليم، تصميم السياسات المواتية لتحقيق جودة التعليم، تصميم السياسات المواتية لتثمين وترقية وتطوير البحث التعليمي، وأخيرا تصميم سياسة جديدة لتمويل التعليم وتحليل التكاليف والمحاسبة وهو ما نبه إليه المفكر الجزائر مالك بن نبي في (شروط النهضة) ولكن في سياق تاريخي محدد هو سياق وضعية الزبون وليس وضعية التلميذ.

جودة التعليم الشاملة

تبدأ جودة التعليم من مستوى المكون (معلما كان أو أستاذا) ومن البرامج التي يجب أن تتمتع بمحتوى بيداغوجي جيد. المحيط الداخلي والمحيط الخارجي للمؤسسة التربوية الذي يجب أن يعكس فعلا معنى محراب العلم من حيث قدسية التعليم وليس ساحة الفوضى كما هو جار اليوم.
ومن خطوات اليقظة الاستراتيجية في قطاع التعليم دعم المعاهد المتخصصة في تكوين المكون حسب الرتب العلمية بحيث تستكمل عملية التكون في التدرج بعملية التكوين لأصحاب الشهادات العليا المؤهلين للتدريس، ويكون على عاتق هذه المؤسسات المتخصصة في تكوين المكونين ضمان القدرة على الأداء البيداغوجي، القدرة على التوجيه والمتابعة البيداغوجية، القدرة على التقييم البيداغوجي، وأخيرا القدرة على البحث التعليمي. وفي نفس الاتجاه الذي يُعنى بجودة التعليم يجب على البرامج أن تحتفظ بقيمتها العلمية من خلال التطوير على سلم معيارية مدروسة: حاجة النمو، حاجات المؤسسة المنتِجة، حاجات المجتمع. وحيث أن هذه الحاجات متغيرة في الزمن بسبب التحوّلات التكنولوجية والاختيارات المبنية على المعرفة الجديدة ونظم إنتاج وتوزيع وتخزين المعلومات، فمن الطبيعي إذن أن يحقق التعليم مبدأ الشراكة الإستراتيجية مع الفروع الاقتصادية ذات الأولوية في النمو.

حقيقة لم ننس مالك بن نبي كشخصية علمية وفلسفية مرموقة في ذكراه السنوية، ولكن حتى أفكاره في صناعة التعليم لم تلق منا الالتفات المطلوب على الرغم من الجهود التي بذلتها وتبذلها بلادنا في إطار الإصلاح التربوي، وربما ستحين اللحظة التاريخية المناسِبة لإنتاج منظومة تربوية مبنية على خصوصيات المجتمع الجزائري وثقافته وعلى الرصيد الذي خلّفه جيل ما بعد الاستقلال من رجال التربية ومهندسيها.

تتزامن الذكرى الـ45 لوفاة بن نبي مع استعداد مبادرة صناعة الغد في الجزائر لإطلاق نقاش أكاديمي واسع حول مستقبل المنظومة التربوية خلال الشهر الجاري كتعبير من المبادرة عن استشراف غد المدرسة الجزائرية في ظل التحوُّلات التي تشهدها نظم التعليم.

لا تعليقات

اترك تعليق

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.