تفسير ابن باديس

بقلم: د.منيع عبد الحليم محمود -

وابن باديس هو عبد الحميد بن محمد المصطفى بن مكي بن باديس ، ولد في أسرة صنهاجية من أعرق الأسر في العلم والنسب ، ومكانة الأسرة في العلم يصف جانبا منها ابن خلدون حينما يقول : أنه اجتمع أربعون عمامة من أسرة باديس في وقت واحد في التدريس والإفتاء والوظائف الدينية.

وهذا العدد في أسرة واحدة في وقت واحد دليل كاف على صلتها الوثيقة بالعلم والأسرة تنحدر عن الصنهاجيين الذين كانوا ملوكا وحكاما ، وكان من أنبهم المعز بن باديس.

ولد ابن باديس في سنة 1308  ه‍  1889 م ميلادية وأخذ منذ الطفولة في التعليم بحفظ القرآن الكريم كما ألف الوسط الذي يعيش فيه من بدئهم بحفظ القرآن الكريم ، ثم أخذ يتزود من علوم العربية وعلوم الإسلام.

ثم شد الرحال الى جامع الزيتونة بتونس الذي كان مزدهرا بالعلم والعلماء ، ارتحل إلى الزيتونة وهو كبير السن وقد تزود بقسط وافر من العلوم ، وانتهت دراسته بها سنة 1912 ثم سافر إلى الحج والزيارة ، وهناك التقى ببعض الجزائريين النابهين ، منهم الشيخ البشير الإبراهيمي، واخذوا يتدارسون الوضع السياسي في الجزائر والاحتلال الفرنسي الجاثم على صدرها ، يدبر الأمر في عنف لجعلها فرنسية لغة وثقافة ، واتفقوا على أن النهضات المستقرة الناجحة إنما تقوم على أساس من الإيمان الوثيق ، وبدون الإيمان لا تنجح نهضة في الشرق الإسلامي ولا تستقر.

ومن هنا كان السر في إنشاء « جمعية العلماء المسلمين الجزائريين » سنة 1931 م وكانت سن ابن باديس إذ ذاك 42 عاما.

وكان ابن باديس حلقة في سلسلة معينة من التيار الفكري الذي ينتسب إليه كثير من الذين يتجهون إلى الإصلاح على نهج جمال الدين الأفغاني.

وفى ذلك يقول الشيخ البشير الإبراهيمي رحمه‌الله :

« إن هذه النهضة المباركة المنتشرة اليوم في الأقطار الإسلامية بشير خير ، بقرب رجوع المسلمين إلى هذه الهداية ، لان هذه النهضة بنيت أصولها على الدعوة إلى كتاب الله وتفهمه والعمل به »

وقد كان من بواكير ثمار هذه النهضة في باب التأليف : تفسير الإمام النقاد : « محمود الآلوسي » على ما فيه من تشدد في المذهبية. وتفسير الأمير « صديق حسن خان ».

ثم جاء إمام النهضة بلا منازع، وفارس الحلبة بلا مدافع الأستاذ الإمام « محمد عبده » فجلا بدرسه في تفسير كتاب الله عن حقائقه التي حام حولها من سبقه ولم يقع عليها وكانت تلك الدروس آية على أن القرآن لا يفسر إلا بلسانين :

« لسان العرب ، ولسان الزمان ».

وبه وبشيخه « جمال الدين » استحكمت هذه النهضة واستمر مريرها.

ثم جاء الشيخ « محمد رشيد رضا » جاريا على ذلك النهج الذي نهجه محمد عبده فى تفسير القرآن ، كما جاء شارحا لآرائه وحكمته وفلسفته في الدين والأخلاق والاجتماع.

ثم جاء أخونا وصديقنا الأستاذ الشيخ « عبد الحميد بن باديس » قائد تلك النهضة بالجزائر ، بتفسيره لكلام الله على تلك الطريقة وهو ممن لا يقصر عمن ذكرناهم في استكمال وسائلها من ملكة بيانية راسخة ، وسعة إطلاع على السنة وتفقه فيها وغوص على أسرارها ، وإحاطة وباع مديد في علم الاجتماع البشرى وعوارضه ، والمام بمنتجات العقول ومستحدثات الاختراع ... ومستجدات العمران ، يمد ذلك قوة خطابية قليلة النظير ، وقلم كاتب لا تفل له شباة.

ولقد مكث ابن باديس يدرس تفسير القرآن الكريم في مدى خمسة وعشرين عاما دون فتور أو انقطاع ، وحينما أتمه كان يوم عيد في الجزائر وعن ذلك يقول الشيخ البشير « بارك الله في عمر الأستاذ فأتم تفسير كتاب الله ببيانه المشرق في خمس وعشرين عاما ، من غير ان تختل أعماله العلمية الكثيرة ، ولا أعماله المستغرقة لدقائقه في سبيل النهضة.

وعرفت الأمة الجزائرية قيمة ما أتم الله على يد الأستاذ فاحتفلت بهذا الختم كأعظم ما تحتفل أمة ناهضة بأثر ناجح من جهودها.

وكان من الإحسان في هذا العمل العظيم ومن الإحسان للنهضة أن تسجل من هذا الاحتفال صورة منبهة على حقيقته فصدر عدد من (الشباب) وهو لسان حال هذه النهضة ـ خاصا بهذه المنقبة ، مخلدا لهذا الأثر ، مسجلا لبعض أوصافه وما قيل فيه.

ونحن بمالنا من الصلة الوثيقة بهذه النهضة ، ومن العمل النزر فيها نغتبط بهذه الخطوة السديدة ، وهذه المرحلة الجديدة ، التي تمت بختم التفسير.

وعن ابن باديس يقول الدكتور : محمد البهى :

« والإمام عبد الحميد بن باديس » رئيس جمعية العلماء بالجزائر ، وباعث النهضة الإسلامية العربية فيها ، وفائد الثورة ضد الاستعمار الفرنسي في هذه البلاد العزيزة ، واحد العلماء المصلحين المفكرين الرواد في الوطن الإسلامي والعربي ، وهم ـ مع الأسف ـ لم يكونوا كثرة في العدد وان كانوا قوة في الأثر ».

ودخل بن باديس في صراع لا هوادة فيه مع الاستعمار والمستعمرين ، ومن طريف ما يرويه فى ذلك قوله :

« اذكر أنني ـ ابن باديس ـ لما زرت المدينة المنورة ، واتصلت فيها بشيخي الأستاذ أحمد الونيسى ، وشيخي أحمد الهندى ، أشار على الأول بالهجرة إلى المدينة ، وقطع كل علاقة لي بالوطن وأشار على الثاني ، وكان عالما حكيما بالعودة إلى الوطن وخدمة الإسلام والعربية فيه بقدر الجهد فحقق الله رأى الشيخ الثاني ورجعنا إلى الوطن بقصد خدمته ، فنحن لا نهاجر ، نحن حراس الإسلام والعربية والقومية في هذا الوطن».

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.