الجمعية التي لا تموت

بقلم: محمد الهادي الحسيني-

ولكن الإمام ابن باديس الذي لايبخس الناس أشياءهم، ولا يحب أن يحمد بما لم يفعل عقب على كلام الشيخ محمد الطاهر في صدق لهجة، وتواضع صادق، ونكران ذات، واعتراف بحق الآخرين وفضلهم، فكان مما قاله: “الفضل لجمعية العلماء لا لعبد الحميد، فعبد الحميد يموت، وجمعية العلماء تحيا ولا تموت (1(”.

عندما دُشّنت مدرسة جمعية العلماء المسلمين الجزاذريين ببلد إيغيل إيلف (نواحي آقبو، ولاية بجاية) ذكر الشيخ مصطفى ابن سعد الجيجلي أن الإمام عبد الحميد ابن دايس زار مرة مدينة جيجل للمشاركة في نشاط من أنشطة جمعية العلماء، فقام الشيخ محمد الطاهر الجيجلي (ساحلي) خطيبا، فشكر الإمام ابن باديس، ونسب إليه أعمال جمعية العلماء، ولكن الإمام ابن باديس الذي لايبخس الناس أشياءهم، ولا يحب أن يحمد بما لم يفعل عقب على كلام الشيخ محمد الطاهر في صدق لهجة، وتواضع صادق، ونكران ذات، واعتراف بحق الآخرين وفضلهم، فكان مما قاله: “الفضل لجمعية العلماء لا لعبد الحميد، فعبد الحميد يموت، وجمعية العلماء تحيا ولا تموت (2)”.

أجل، إن جمعية العلماء المسلمين الجزائريين ليست كأحد من الجمعيات أو الأحزاب، فهي منّة الله – العزيز الحكيم – وفضله العميم على الجزائر والجزائريين في ساعة العسرة..

لقد أسس الجزائريون منذ الثلاثينيات من القرن الماضي إلى يومهم هذا كثيرا من الجمعيات والأحزاب، ولكن ليست هناك جمعية ولا حزب احتل في قلوب الجزائريين وعقولهم ما احتلته جمعية العلماء من مكانة عالية، ونال ما نلته من قيمة غالية.. وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، وما يؤتي الله – عز وجل – فضله إلا لأوليائه الصادقين الذين، لا يأكلون التين بالدين، كما قال الإمام النّووي، رضي الله عنه وأرضاه.

إننا نفسر حب آبائنا لجمعية العلماء في ثلاثينيات القرن الماضي وأربعينياته وخمسينياته بأنهم عصروا أولئك العلماء الرواد، ورأوهم رأي العين وشاهدوا أعمالهم الجليلة، ومنجزاتهم الكبيرة، ومواجهتهم الثابتة للانحراف الديني، ولمخط فرنسا الرهيب لتنصير الجزائريين وفرنستهم؛ ولكن بماذا نفسر حبّ أبناء هذا الجيل من الجزائريين لهذه الجمعية وإكبارهم لقادتها، وإعجابهم بأعضائها، وإيمانهم بمبادئها؟

إنه لا تفسير لذلك – في رأيي – إلا وضع الله – عز وجل- القبول لأولئك العلماء الذين صدقوا الله – سبحانه وتعالى – وأخلصوا العمل لله، مصداقا لما جاء في الحديث من أنه – عز وجل – إذا أحبّ عبدا.. وضع له القبول في أهل السماء وأهل الأرض.

إنني أعلم – بفضل الله – أن من أول ما نزل من القرآن الكريم قوله – عز وجل – مخاطبا حبيبه – عليه الصلاة والسلام- «ولا تمنن تستكثر»، ولذلك فإذا سقت الحديث عن نفسي فلا منّة ولا استكثار، ولكن للتأكيد على ما أسلفت قوله على لسان الإمام ابن باديس من أن هذه الجمعية المباركة لا تموت.

لقد تنقلت في الأيام القليلة الماضية بين عدة ولايات لاضربا في الأرض ابتغاء فضل الله – عز وجل- ولا وصلا لرحِم يجب أن توصل، ولا لدنيا أصيبها ولكن للحديث عن جمعية العلماء، خير جمعية أخرجت للناس، وللحديث عن رجالها الذين هم ليسوا كأحد من الرجال، فقد زرت مدينة ميلة للمشاركة في ملتقى عن الشيخ مبارك “المبارك”، وزرت مدينة زمورة (ولاية برج بوعريريج) للحديث عن جمعية العلماء ودورها في تحويل الجزائريين من “رمة” إلى “أمة”، وزرت مدينة قسنطينة للمشاركة في ملتقى دولي عن “الفكر السياسي عند العلامة عبد الحميد ابن باديس”، الذي نظمته مشكورة “مؤسسة الإمام ابن باديس”، وانتقلت من قسنطينة إلى مدينة الأغواط للحديث عن؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ المكتبة المركزية لولاية الأغواط التي تشرفت بحمل اسم الإمام محمد البشير الإبراهيمي، ومنها التحقت بمدينة برج بوعريريج للمشاركة في ملتقى العلامة الإبراهيمي، وتسمية الجامعة باسمه ولا أتحدث عن الملتقيات والندوات التي لم أستطع المشاركة فيها لظروف قاهرة.. وأعلم أن هناك عشرات الأساتذة تنقلوا بين مدن الجزائر – شرقا، غربا، جنوبا، شمالا – للحديث عن جمعية العلماء وأعلامها.

لقد تحالف ضد جمعية العلماء عدة أطراف منها:

)المنحرفون من أدعياء الدين، الذين زعموا أنهم اتخذوا عند الله عهدا، واشتروا بآيات الله ثمنا قليلا، واتخذوا الكافريون أولياء من دون المؤمنين.

)الكافرون بجنة الله – عز وجل – والمانّون على الجزائريين بـ “جنة” في الأرض ؟؟؟ كما يقول الإمام الإبراهيمي.

)الطرقيون السياسيون” الذين يزعمون احتكار “الوطنية”، وكثير منهم يقولون في الوطنية بأفواههم ما كذّبته وفضحته أعمالهم، حتى إن منهم من راهن عليه الأعداء الفرنسيون لإجهاض جهاد الشعب الجزائري وإفشاله.

)الأراذل وبادي الرأي الذين رفضوا أن يكونوا رؤوسا في قومهم، وراحون “يلهثون” ليكونوا أذيالا لفرنسا، التي كلما استهلكت طائفة منهم لفظتهم، وسخرت طائفة أخرى

)العدو الأبدي للجزائر، الذي جاء ليستبدلها الفادي بالهادي، وينسخ حرف الضاد في لهوات الجزائريين.. ويبدل راءهم غينا..

لو كان الذين قدّر لهم أن يحكموا الجزائر بعد استعادة الاستقلال على هدى لسارعوا إل بعث جمعية العلماء لتواصل جهادها الأكبر في تربية الجزائريين وتحصينهم بالدين الصحيح، والخلق المليح؛ ولكن نظرهم لم يكن حديدا، وعقلهم لم يكن رشيدا، ورأيهم لم يكن سديدا، فمنعوا الجمعية من العودة إلى نشاطها، وهاهم الآن “يصلحون” ما أفسدوه، وهل يُصلح…؟

وهاهي الجمعية تبعث، وتعود – رويدا رويدا – إلى النشاط، وهي تعاني من قلة الإمكانات، فليس لها مقر لائق، ولا مقرات لشعبها في الولايات، ومنشآتها محتلة، وكثير منها حرف عما أسس له.. وحتى الذين زعموا أنهم ورثتها ألهاهم التكاثر، وغرّتهم المظاهر.. وهم أذكى عليها من خصومها، لأنهم يريدونها “خادما” لمآربهم الشخصية.. ولكنهم جميعا ميّتون، و”جمعية العلماء تحيا ولا تموت”، كما أنطق الله – العليم الخبير- مؤسسها الإمام عبد الحميد..


1- جريدة البصائر: ع 87. في 18 / 7 / 1947. ص7
.

2- جريدة الشروق/الخميس 24 ماي 2012 ميلادي الموافق لـ 3 رجب 1433 هجري

 

آخر التغريدات:

    Message: Invalid or expired token., Please check your Twitter Authentication Data or internet connection.